فنون وآداب

نظامي كنجوي شاعر وحكيم من أرض النار

                     نظامي كنجوي  شاعر وحكيم من أرض النار

 

                                                        إعداد: د. ماجدة بهلول عبد الهادي علي*

 

 

الشاعر الملهم والحكيم العظيم “نظامي كنجوى” هو ابن أذربيجان المعاصرة، وكان من أعظم علماء عصره، ومن أبرز شعراء العالم الإسلامي أجمع، ويبقى من عمالقة الشعر والملحمة على المستوى العالمي، هو شاعر أذربيجاني وذلك لأن التراث الفارسي ليس فقط ما أنتجه أبناء البلاد المحصورة جغرافيا في إيران المعاصرة، ولكن كل ما أنتجه من ليسوا من أماكن في إيران الحديثة.

ويعد نظامي البطل القومي بأذربيجان، ولهذا كان اهتمامي هو إبراز هويته الأذربيجانية وتوثيق تراث الشاعر العظيم من خلال إلقاء الضوء في هذه المقالة على نشأة، وحياة، وثقافة، وأعمال الشاعر الكبير.

أسمه جمال الدين أبو محمد إلياس بن يوسف الكنجوى، وعرف بالحكيم نظامي كنجوى من شعراء أذربيجان القصاصين الكبار، ولد في حدود سنة (535ه – 1140م)، في كنجه (Ganja)، وهي الآن المدينة الثانية في أذربيجان، وعاش فيها إلى أن قضى نحبه، ثم دفن بها.

نستطيع أن نلمس من أشعار نظامی، أنه نشأ نشأة دينية، متأثرا بوسط كنجه التي عاش فيها، فقد قرر هو أنه كان متدينا منذ شبابه فقال: “لم أقف – منذ شبابي – على باب أحد غيرك لقربي منك”. أما ثقافة الشاعر الدينية، فإن شعره يدل على أنها واسعة، شملت دراسة القرآن والحديث، والإلمام بما في كتب السيرة.

فهو يشير إلى قصة الحجر الذي ألقي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فکسر إحدى أسنانه المباركة، فيقول: “إن جوهره لم يجرح قلب الحجر، فلم کسر الحجر جوهره”.

ويذكر قصص الأنبياء ويتخذها وسيلة لتقرير أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان خاتمهم وأفضلهم، وأنه لولاه ما خلق الله الأفلاك.

كما كان للشاعر إلمام كافي بعلم التنجيم، فقد ذكر مصطلحات هذا العلم، في مواضع كثيرة من شعره، فذكر “المجسطي” الذي وضعه بطلیموس.

وكان نظامي هو الشاعر الوحيد الذي ابتعد عن السلطة وحياة البلاط، ورفض الانتقال إلى العاصمة، واهتم بالعلم ونتاج العلماء، هذا بالإضافة إلى اهتمامه بالتصوف والفن، فهو يعد حكيما ذا علم موسوعي، بالإضافة إلى كونه شاعرا مرهف الحس، بليغ اللفظ، يدعو إلى الاستقامة والخلق الرفيع بكل إخلاص، ولا غرابة في أن يسمى “شاعر الفضيلة”.

ومع أن جذور الشعر القصصي كانت ممتدة قبل هذا الأديب الكبير، فإنه الشاعر الوحيد الذي استطاع حتى نهاية القرن السادس الهجري أن يطور هذا النوع من الشعر، ويصل به إلى الحد الأعلى من الكمال، ويتفوق على أقرانه في هذا المجال.

تميز نظامي في شعره بإبداع المعاني، والمضامين البكر في شتى الأغراض بالإضافة إلى قوة خيالية ومهارته في تصوير دقائق الأمور، من خلال وصفه للطبيعة والأشخاص مستخدما الكثير من التشبيهات والاستعارات البديعية. وكان نظامي متميزا في مختلف علوم زمانه، ومبدعا في الأدب والشعر، وأهم آثاره الكنوز الخمسة الشاملة لخمس مثنويات رائعة وهي:

مخزن الأسرار، وخسرو وشيرين، وليلى والمجنون، والصور السبعة، واسكندر نامه.

لنظامي ديوان شعر بخلاف منظوماته الخمس، وكان الديوان كاملا عام 584ه، أي قبل البدء في نظم منظومته الثالثة. وهو يتناول موضوعات مختلفة كالفخر والرثاء والزهد والتجرد عن الدنيا والغزل، وقيل إن هذا الديوان يحتوي على 20000 قصيدة، لم يبق منها سوى حوالي 4500 قصيدة. غير أن الشهرة الغالبة على نظامي أنه صاحب الكنوز الخمسة حتى صار إماما في فن القصة الشعرية إلى درجة أن الكثيرين حاولوا تقليده في أن يكون لهم خمس منظومات مثله.

وقد لاحظنا أن نشأة الشاعر الدينية جعلته يؤثر العزلة، ويتخذ الاعتكاف – للتفكير والعبادة – مذهبا له في الحياة وأنه أكثر من الاعتكاف حتى ظن الكثيرون أن الشاعر عاش طيلة حياته في عزلة وانزواء، فلم يحاول الاتصال بحكام عصره، أو التردد على بلاطهم مادحا متزلقا طامعا في العطاء، بل لقد بالغوا في وصف عزلته إلى درجة أنهم رأوا أن الحكام التمسوا القرب منه للتبرك به والتشرف بالوجوه في حضرته.

أما نزوع الشارع إلى الزهد والاعتكاف، فقد فسرته لنا نشأته الدينية التي تحدثنا عنها، في عصره كله حروب ومنازعات تُحبب الناس في الاعتكاف، ولا يعني هذا أن الشاعر كان صوفيا.

وقد توفي نظامي في مدينة كنجه ودفن بها، وكانت له مقبرة ظلت قائمة بضع سنوات بعد إلحاق كنجه بروسیا، ثم تهدمت، وتم بناؤها مرة أخرى في عام 1940م، في نفس المكان الذي كانت فيه المقبرة القديمة، أي بالقرب من مدينة كنجه القديمة، ثم دفنت فيها عظام الشاعر بصفة نهائية.

____________________________________

*إداري تنفيذي بمكتب العلاقات الدولية جامعة القاهرة، مصر

بالتعاون مع مركز الترجمة الحكومي بجمهورية أذربيجان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى