معضلة الذّاكرة وأزمة الخيال
معضلة الذّاكرة وأزمة الخيال
إدريس هاني
نكتب التّاريخ أو نتذكّر، يلعب التخييل دورًا كبيرًا في الذاكرة التي نعيشها كما نريد لا كما هي. هنا نلتفّ على التّاريخ بألف ليلة وليلة من لعبة الخيال. وإذن هي رواية ترسم معالم ما لم يكن وما لم يحدث. لا زلنا لا نميز بين التاريخ كعلم، كان ولا زال علما خطيرا، وبين الذّاكرة بوصفها لازالت جنوحا نحو التحريف.
حين تكون أنت صاحب الذّاكرة، فلك أن تتخيّل ما شاء شيطانك. ومن هنا، فإنّني أقترح أن تكون الذّاكرة موضوعًا لتحليل الذّاكر والمتذكّر، لأنّ هذا الأخير يصبح مانح القدر التّاريخي، يصيغ العالم كما يفعل زيوس. إنّ الذاكرة بهذا المعنى هو شكل من أشكال مديح الحماقة، لأنّها تبحث عن السعادة في السرد التخييلي، في عدم الوفاء للواقع، في هذا التضخم الأناني الذي يقوم على حساب الأحداث، فانظر تجد ضربًا من المغالطة التّاريخية وخلط الأزمنة ولعبة كتابة التّاريخ العام أو الخاص بأثر رجعي.
يمكن للذاكرة أن تكتسب طابعًا تهريجيًّا، يمكن أن تعانق الحماقة بحثًا عن الإمتاع والسعادة الأنانية. إنّ عصرنا بخلاف سائر العقول ، يشهد تضخّما غير مسبوق في فنّ الإلتفاف على الحقيقة، تلك المهارة التي باتت شائعة، فلقد تسمّم المجال العمومي، وانطلق الخيال إلى أقصاه، فمن ذا يمسك بالسلوقي؟! من يا ترى سيحاسب راكب الخيال؟! من سيكنس كلّ هذا التضليل الذي يكتسب طابع الشهادة على العصر؟!
تمنحنا الديمقراطية حقّ التخييل وانتهاك الواقع بوصفه إمتاعا، لكن حين يصبح التخييل يحقق متعة خاصّة للذّاكر أو المتذكّر، ويجرف الذاكرة الجمعية، فهناك تكمن المشكلة. غير أنّ العلم بطبيعته لا يسمح بالانزياح، وذاك مقتضى وشرط قيام التّاريخ كعلم، إذ تقتضي العدالة التّاريخية مستوى فائقا من الإنصاف، فالوفاء للحقيقة ليس وجهة نظر، والخيال لا يبرر الدّجل.