لماذا ينبغي استعادة أفلاطون ؟..
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون ؟..
محمود حيدر
مبتدأ الاستغراب العدد الواحد والعشرون السنة الخامسة 1442هـ خريف 2020م
حين يُبسط الكلام على أفلاطون الآن، يتناهى للنّاظر أنّه تلقاء مفارقةٍ غير مألوفةٍ: سوف يبدو له كما لو أنّ استرجاع هذا الحكيم، وجعله قضيّةً راهنةً هو أدنى إلى عودٍ على بَدءٍ لا طائل منه. والحجّة إذ ذاك، أنّ بسطَ القولِ فيه وعليه، هو ضربٌ من تكرارٍ مسبوقٍ بما أنشأه محقّقوه وشارحوه من قبل..
لكن استرجاعنا لأفلاطون اليوم، تسوِّغه فرضيِّتان: الأولى، لأجل ابتعاث تفلسف مستأنف يدور مدار التساؤل عن إمكان قيام ميتافيزيقا تجاوز ما ترسخ من يقينيات منذ الإغريق إلى يومنا الحاضر. والثانية: لأجل التذكير بما غزاه النسيان من الأفلاطونيّة، سواء لجهة نقد مبانيها قديماً وحديثاً، أو لجهة ما يختزنه ميراثها من مفارقات تراكمت عليه الظّنون وسوءات الفهم.
ولمَّا كانت غايتنا المحورية تحرِّي الأثر الأفلاطوني في ما أفضى إليه من معاثر اقترفتها الحداثات المتعاقبة سحابة خمسة قرونٍ خلت، فإنّ من شأن هذه الاستعادة أن تنبِّه إلى الصّدع الكبير الذي ألمَّ بأبنيتها الأنطولوجيّة والمعرفيّة. فعلى الرغم من تحيُّز الحداثة إلى القدماء الذين خالفوا أفلاطون أو انقلبوا عليه، إلا أنها ستتخذ من “ثنائياته” في تفسير العالم ذريعة لإحداث القطيعة بين الطبيعة وأصل وجودها. ولنا هنا شاهدٌ على تلك الذريعة، لمّا ذهب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر إلى اختزال معضلة الحداثة بما أسماه “نسيان الكينونة”. أي غفلة الحداثة التي أصابها مسٌّ الأفلاطونية عن حقيقة الوجود، واستغراقها بظواهر العالم الطبيعي وأعراضه. ومع ان هذه المقولة عُدَّت نقطة الجاذبية في فكر هايدغر النّقدي، وأعربت عن المأزق الميتافيزيقي للفلسفة الحديثة، إلا أنها لم تفارق جوهر الثنوية الأفلاطونية. فالكينونة الهايدغرية وبتأثير من أفلاطون كانت أقرب إلى الموجود الأول منها إلى الله الموجد للكون.
ومع أن أفلاطون قد اتَّخذ من الخيريَّة والعدالة والمجتمع الفاضل سياقاً مفارقاً للسابقين واللاَّحقين من حكماء اليونان، إلا أنه لم يقدر على بلوغ التوحيد الخالص كما أظهرته الديانات الإبراهيمية. ولو كان لنا من توصيف لهذه المنزلة لجاز القول انها إعرابٌ بيِّنٌ عن التوحيد الناقص. ربما لهذا الداعي سيغلب على كتاب المحاورات سمة التساؤل الحائر من دون اأن ينفذ صاحبها إلى المحل الذي يفصح عن إجابات يقينية عن الوحدانية الإلهية.
* * *
خلاصة ما فعله فيلسوف الجمهورية، ولم يستطع سقراط أن يكمله، تجلَّت في تظهيره لفكرة الخير الكلِّي كمصدرٍ لتحصيل المعرفة. ولقد أراد أن يحلّ هذه المسألة، تأسيسًا على نظريّة المُثُل بما هي الدفاع الأعلى عن الأخلاق الموضوعيّة. غير أن الحريَّ بالاعتناء والنّظر هنا، هو سَرَيان منظومة أفلاطون في الأحقاب التالية مع ما انطوت عليها من إشكاليات وعثرات، سواء في ما يتعلق بعقيدة التوحيد، أو ما يتصل برؤيته الأخلاقية والسياسية والتربوية. وعلى سبيل التذكير ـ نشير إلى تأثيره الكبير على مسيحيّة القرون الوسطى، حيث سيكون لأفكاره نتائج عكسية خصوصاً لجهة استلهامها لاهوته الطبيعي الوارد في كتاب القوانين (Laws)، وأخرج فيه معادلته الشهيرة: أ- إنّ هناك آلهة، وهي تعتني بشؤون البشر، ومن المستحيل رشوتها أو شراء إرادتها الخيّرة”… كانت النتيجة أن عدداً وازناً من آباء الكنيسة وفلاسفتها وقعوا في تناقض مريب بين إيمانهم الديني وفكرة تعدد الآلهة عند أفلاطون. ومن البيِّن بسببٍ من ذلك، أنّ فلاسفة الحداثة سيأخذون هذه الفكرة عن ظهر قلب لينصرفوا إلى الفصل الحاد بين اللّه والعالم. وهذا لم يكن مجرد حادثٍ عارضٍ في بنية الفلسفة الحديثة، وإنما هو حاصل إرث إغريقي لم تكن الأفلاطونية بمنأى عنه، ثم كان له امتدادُه وسريانُه الجوهري في ثنايا العقل الكلِّي لحضارة الغرب. بهذه الدلالة لم يكن تأرجح أفلاطون بين ضفتّيْ الشرك والتوحيد سوى مؤشِّر على الإضطراب الميتافيزيقي الذي سيورثه إلى العالم الغربي في ما بعد. حتى لقد غدا كلُّ سؤالٍ تُعلنه الحداثة على الملأ مثقلاً بالمعاثر: من الثنوية، إلى النسبيّة والشكوكية، ناهيك بمجمل ما يمكث من آثار وتداعيات ترتَّبت في ما بعد على انحصار التفكير الحداثي في دنيا المقولات الأرسطية العشر.
* * *
لا نبتغي من وراء قصدنا، المفاضلة بين أفلاطون وأرسطو. ولا كذلك، الإنتصار لأفلاطون بدلاً من شُرعة الحداثة ومبادئها.. وإنما للإضاءة على البَدءِ الذي منه صار أفلاطون فيلسوفًا مؤسِّساً لمملكة العقل الأدنى. قوله بأصالة عالم المُثُل باعتباره الوجود الحقيقي، وجاء في حينه كردٍّ صريح على مادية السوفسطائيّة ولاأَدريَّتِها الصمَّاء، إلا أنه يمتلئ بما لا حصر له من مؤاخذات في هندسته الأنطولوجية.
حين أخرج أفلاطون نظريّة المُثل، أراد إثبات عقيدته المفارقة بأن العالم المادي ليس سوى أشباح للعالم الحقيقي، وأنّ المثال الأعظم الذي يفضي إليه هو الخيريّة التامَّة، وأنّ الخير المطلق هو المقام الأرفع للمعرفة، وهو مبعث الوجود والكمال. مع ذلك بقيت نظرية الخير المطلق ضرباً من التأملات والاختبارات الذاتية، ولم تصل إلى الدرجة التي توصلُ فيه الخيرية بمصدرها الأول. ما يعني أن اقصى ما بلغته المُثُل الأفلاطونية هو التعبير عن ألوهية أرضية، سوف توظَّف في ما بعد بـما سمِيَ “الدين الطبيعي”.
في هذا المسرى يذهب ناقدوا نظرية المُثُل الى إبطال قوله أن النفس موجودة قبل البدن، وأن الإدراك العقلي هو عبارة عن إدراك الحقائق المجردة في ذلك العالم الأسمى. يرى هؤلاء أن كلتا القضيتين خاطئتان. فالنفس في مفهومها الفلسفي المعقول ليست شيئاً موجوداً بصورة مجردة قبل وجود البدن، بل هي نتاج حركة جوهرية في المادة تبدأ النفس بها مادة متصفة بخصائص المادة وخاضعة لقوانينها، ثم تصبح بالحركة والتكامل وجوداً مجرداً عن المادة لا يتصف بصفاتها ولا يخضع لقوانينها. وأما المفهوم الأفلاطوني الذي يفترض للنفس وجوداً سابقاً على البدن فهو بحسب هؤلاء أعجز ما يكون عن تفسير هذه العلاقة وتعليل الإرتباط القائم بين البدن والنفس، وعن إيضاح الظروف التي جعلت النفس تهبط من عليائها المثالي إلى واقعها المادي المتهافت”.
* * *
في “المحاورات” و”الجمهوريّة” وفي سائر تأمّلاته الميتافيزيقيّة والسياسية، حرص أفلاطون على الوصل الوطيد بين عالم المُثُل ودنيا الإنسان. ولقد حاول ذلك من خلال ثلاثة سبُل: أوّلاً، عن طريق التساؤل كسبيل قويم للمعرفة الحكمية، وثانياً، في ما يسميه بإرسال شرارة الفهم إلى السامعين. “تلك التي تولد فجأةً في الرّوح مثلما يومض الضّوء حين توقد نارٌ وتتغذّى بذاته من ذاتها” كما يورد في رسالته السابعة.. وأما ثالثاً، ففي نظريته السياسيّة القاصدة سعادة الإنسان في كتاب الجمهوريّة. غير انه أخفق في ما ذهب إليه كما سنرى بعد قليل.
* * *
لم يفلح أفلاطون في تقديم دولة مثالية حقيقية. ومع انها كانت أدنى إلى الخيال منها الى الواقع فإنها حسب نقاد فلسفته السياسية كانت دولة إيذائية لآدمية الإنسان ككائن له منزلته الاستثنائية في عالم الخلق. ويورد هؤلاء ثلاثة مآخذ كبرى على مفهوم العدالة الأفلاطونية: الأولى حين القول بشيوعية النساء ومن ثم الأولاد، الثانية حين يتحدث شيوعية الأموال؛ ليفتح أبواباً جديدة للصراع من حيث أراد إغلاقها، وليصطدم مع المطالب الإنسانية من حيث أراد الترفع فوقها، ومرة ثالثة إذ أقام نظاماً تربويا جافاً ليُراع فيه البعد الروحي، ولا الموازنة بين النفس والبدن.
كانت رغبة أفلاطون في بداية حياته أن ينخرط في العمل السياسي، وكان متَّبعًا بذلك تقاليد أسرته. غير أنّ تبدُّلاً سيطرأ على خطّته، لمّا خسرت الديمقراطيّة الأثينيّة الحرب ضدّ إسبارطة، وأمسك “الطغاة الثلاثون” بالسلطة التي حكمت على سقراط بالموت عام (399ق.م). ذلك سيجعله على حذرٍ مقيمٍ من السياسة الأثينيّة وظلاماتها. ثم كان عليه أن يقيم السياسة على نشأة أخرى، بحيث لا تنفصل الحياة السياسيّة عن عالم المثل. ربّما لهذا الداعي سيواصل أفلاطون دحض الفكر النّسبي للسوفسطائيّة، وينظر إليه بوصفه تعبيرًا صارخًا عن الإنحطاط السياسي.
حاول أفلاطون- وإن لم يسعفه القدر – أن ينقل مشروعه السياسي إلى دنيا الواقع في غير مناسبة: منها، لقاؤه الطاغية ديونيسيوس (Dionysius) الأوّل حاکم مدينة سرقوسة (Syracuse) في جزيرة صقليّة، ومنها، لمَّا ذهب إلى جنوب إيطاليا ليلتقي الفلاسفة الفيثاغوريّين، ويشاركهم تصوّراتهم في أربعة مرتكزاتٍ تأسيسيّة: – اعتبار الرياضيات جوهر الأشياء جميعها. ـ النّظرة الثنائيّة إلى الكون ـ (عالم الوجود الفعلي (المُثل) وعالم الظلال المادي) ـ هجرة الروح وخلودها ـ والتصوّف الديني والأخلاق النسكيّة…
لعل أهم ما يؤخذ على نظرية تقسيم العمل عند أفلاطون، أن التخصص يكون من حيث الجهد أما المردود فليس به شيء من العدل، بل إن من يقومون بأقصى أنواع الأعمال هم من يحوزون أقل مردود.
ثم انه لم يبيِّن الأسس التي يتم بموجبها تقسيم الناس. صحيح أنه ذكر التهيؤ الطبيعي لكل فرد، إلا أنه يوضح المرتكزات التي يتم بموجبها تشكّل هذه الماهية المسبقة، هل هي نوع من الوراثة أم اصطفاء إلهي أم غير ذلك؟ وعليه، لم يقدم معياراً حقيقياً يكون تقسيم المجتمع إلى طبقات مسوّغاً بالكامل، وهذا الأمر سيؤسس لأمر يميز فيه بين طبقات المجتمع وشرائحه حين يسوِّغ للملوك والنبلاء ادعاءاتهم بأنهم من سلالات أرقى من عوام البشر.
ومن جملة المؤاخذات، أن أفلاطون لم يهندس أركان جمهوريته على أساس إنساني شامل، حيث يعتبر الحرب والنزاع والسلب والنهب أمراً مشروعاً للدول، ودليل ذلك أن مهمة الطبقة المقاتلة عنده ليس فقط الدفاع عن الدولة، بل أيضاً الإغارة والاغتنام من الدول الأخرى.
المعثرة الكبرى في نظريته حول العدالة نجدها حين يسري كلامه عن علاقة السماء بالأرض، كما في قوله: “الأشرار تاعسون ولزم أن يتألموا والله أحسن إليهم بأن آلمهم لأجل خيرهم”. ومما يعكس رؤية تدحض الخيرية الإلهية وعدلها قوله: “وإن أراد الله قلب أمة أنبت شقاقاً وشراً بينها”. فالأشرار عنده، هم أشرار لأن الآلهة أرادت لهم ان يكونوا أشراراَ، ولكن الآلهة تعذبهم بوصفهم أشرار؟
* * *
المعضلة الأساسية للأثر الأفلاطوني في الحداثة كان بيِّناً في الفضاءين الأنطولوجي والسياسي. صحيح أنّ أفلاطون انكفأ مع غزوة العقل الأدنى التي امتدّت من السوفسطائيّة إلى أرسطو، ومن بعد ذلك إلى ديكارت وكانط وسائر السلالة الحديثة؛ سوى أنّ مقصده الأعلى ظلّ كامنًا في تضاعيف الحضارة الحديثة، وخصوصًا في التوجهات النقدية لعدد من فلاسفتها من أمثال هنري برغسون وبول تيليتش وهنري كوربان وولتر ستيس وسواهم. وللدلالة على الأثر الأفلاطوني الساري في تاريخ الفلسفة أن الفلسفة المسيحيّة دارت مدار اتّجاهين رئيسيين: الاتّجاه الأفلاطوني عبر القدّيس أوغسطين، والاتّجاه الأرسطي عبر توما الأكويني. سار الاتّجاه الأوّل مع الأفلاطونيّة حين جعل الموضوع الطبيعي للعقل إدراك المُثُل، أمّا الاتجاه الثاني الذي بقي على تماس ما مع المتعاليات الأفلاطونيّة، فقد رأى على لسان الأكويني استحالة البرهنة على الإيمان عن طريق البرهان المنطقي؛ لأنّ الإيمان لا يرتكز على المنطق، بل على كلمة الله.. في حين لا يمكن الاستدلال على حقيقةٍ فلسفيّةٍ باللّجوء إلى كلمة اللّه؛ لأنّ الفلسفة لا ترتكز على الوحي بل على العقل المحض. ورغم أنّ الأكويني كان أرسطيًّا متشدّدًا فقد حرص على التمييز بين العقل والوحي، من قبيل حفظ موقعيّة كلّ منهما في إنتاج المعرفة الصحيحة. فإذا كان اللاَّهوت هو العلم بالأشياء عن طريق تلقّيها من الوحي الإلهي، فالفلسفة هي المعرفة بالأشياء التي تفيض من مبادئ العقل الطبيعي. ولأنّ المصدر المشترك للفلسفة واللاَّهوت هو الله خالق العقل والوحي، فإنّ هذين العِلمين يسيران ـ حسب الأكويني ـ إلى التوافق.
ومع أنّ التجربة التاريخيّة للحداثة أنجزت تقليدًا نقديًّا طاول مجمل مواريثها الفكريّة وأنماط حياتها. إلّا أنّ هذا التقليد على وزنه في تنشيط الفكر وبثِّ الحيويّة في أوصاله، فإنّه لم يتعدَّ الخطوط الكبرى لميتافيزيقا الإغريق وبخاصة في شطرها الأفلاطوني. هذه الفرضيّة تفترض تساؤلاً بديهيًّا وأساسيًّا لم يُعطَ حقُّه من الاعتناء سحابة قرونٍ مديدةٍ من تاريخ الفكر الغربي. مُؤدّى هذا التّساؤل: استكشاف الأثر العميق للعقل الإغريقي في تكوين المبادئ الكبرى للعقل الحديث.. وتحرِّي الكيفيّات التي حملت فلاسفة الحداثة على مخاصمة الأفلاطونية، ثم راحوا يصوغون منظومتهم الفلسفيّة تبعًا لما ورثوه من السوفسطائيّة والأرسطيّة من معطيات العقل الأداتي وأحكامه.
* * *
سوف تستأنف الحداثة ـ كما فعل الأسلاف من قبل ـ توظيف الأفلاطونيّة وصرامتها الدنيوية عبر سيرورة من التصوّرات والمفاهيم أفضت مع ما سمّي بالتنوير إلى “دنيوة” صمَّاء للعالم:
– آمنت الحداثة بالعالم الطبيعي على أساس أنّه العالم الحقيقي، – وبالإنسان باعتباره الكائن المنفرد في الوجود، وبالعقل العلمي الذي به يحقّق إنسانها تفرُّده وتفوّقه. ثم وآمنت أخيرًا وليس آخرًا، بالماديّة التّاريخيّة كأداةٍ وحيدةٍ لتفسير تطوّر المجتمعات البشريّة.
لم يقتصر ميراث الحداثة على استلهام ما جاءت به أضلاع المنظومة الإغريقيّة الكبرى (سقراط- أفلاطون – أرسطو)، بل ستكون حقبة ما قبل السقراطيّة ذات أثرٍ عميقٍ في تكوين العقل الحديث أنطولوجيًّا وأبستمولوجيًّا. لكأنّما قصدت الحداثة في الإعراض عن الخيريّة السّقراطيّة والأخلاقيّة الأفلاطونيّة أن تعود القهقري، إلى قيم السوفسطائيّة في اختصامها مع المطلق، وإلى أرسطو ومقولاته في تشكيل العقل الأدنى، ثم تمضي في غفلتها على غير هدًى لتكون أطروحتها حول نهاية التاريخ هي نفسها نهاية الإنسان الأخير.
* * *
ما مرَّ معنا يلقي الضوء على ما قصدناه من هذا العدد من “الاستغراب”. وهو فتح النوافذ على إعادة مراجعة الموروث الأفلاطوني، وبيان ما به من التباسات وإشكاليات على المستويين الأنطولوجي والسياسي. ولذا سنجد في الملف الذي خصَّصناه لهذه الغاية مقاربات تحليلية نقدية تستهدف تحريك النقاش الفكري والفلسفي حول فيلسوف تكاد تتحول أفكاره إلى ثوابت لا تقبل النقد والمراجعة. أما غايتنا من ذلك فتعود إلى منهجنا في مراجعة حضارة الغرب وتبيين معاثرها الميتافيزيقية منذ تأسيساتها الأولى إلى يومنا هذا.