التنظير الفلسفيُّ للمدينة العرفانيَّة
التنظير الفلسفيُّ للمدينة العرفانيَّة
(الفارابي تمثيلًا)
د. محمود حيدر*
* مفكِّر وباحث في الفلسفة والإلهيَّات – لبنان.
تمهيد:
مسعى هذا البحث الاقتراب من الفيلسوف والحكيم المسلم أبي نصر الفارابي (259هـ – 870م) بوصف كونه مؤسِّساً لمشروع سياسي متعالٍ شاء أن يقيمه تحت مُسمَّى المدينة الفاضلة. أما تنزيل هذا المشروع منزل التدبير السياسي العرفاني فيعود إلى طائفة من الاعتبارات:
أولاً: باعتبار التناظر المعرفي بين سياسة المدينة الفارابية وسياسة العرفاء.
ثانياً: باعتبار التناظر في ماهية وهوية الرئيس الفيلسوف كحاكم للمدينة الفاضلة والعارف الذي يتولى تنجيز دولة العدل الإلهي.
ثالثاً: باعتبار تنظير الفارابي لمشروع سياسي خلاصي تتمازج فيه الفلسفة مع الدين والعقل مع النقل، وذلك في إطار لغة مفارقة لا هي لاهوتية دينية على النحو المألوف ولا هي فلسفية محضة. وقد يكون هذا هو السبب الذي حمل جمعاً من المحققين إلى موْضَعَة الفارابي في فضاء التصوف الفلسفي. فرئيس المدينة الفاضلة – بحسب الفارابي – يجب أن يكون نبيَّاً أو إماماً أو فيلسوفاً متصلاً بالعقل الفعَّال ومتلقِّياً لفيضه[1].
ومع أن الاختلاف واقعٌ بين دربة العارف ومنهج الفيلسوف في المقاربة الخلاصية، إلا أن المآل واحد. فعلى الرغم من النقد الصريح الذي وجَّهه إليه ابن طفيل(1100-1185م) في مقدمته لكتابه الشهير “حي بن يقظان”[2]، إلا أن سياق التغريبة يشير إلى أنه كان يتبنَّى عملياً نظامه الفلسفي. وهذا بيِّن في تعريف “الدين الحق” عند ابن طفيل، وهو بالضبط ما يطابق تعريف الفارابي للوحي في “كتاب الحروف”1. وما دام قصدنا الوقوف على الأهداف الكبرى لمشروعه السياسي، فمن البديهي أن نرى إلى أطروحته بصدد “المدينة الفاضلة” بوصفها ذروة هذا المشروع ونقطة الجاذبية في نظامه الفلسفي. ففي تنظيره لمشروعه سيُفرِدُ الفارابي فصلاً كاملاً من كتابه “آراء أهل المدينة الفاضلة” ليستنكر الخضوع للرؤساء المنافقين الذي يزعمون الدفاع عن الدين الحق، بينما هم يرسِّخون الأسس الفعلية لمدينة جاهلة وضائعة. وكان يدعو إلى المقاومة السرِّية ضد نظام الخلفاء العباسيين إلى حد اتِّهامه بمناصرة الاتجاه الثوري لحركة القرامطة.2
بعض مؤرخي الفلسفة العربيَّة-الإسلاميَّة ذهبوا إلى أنّهُ يتعذَّر على قارئ أبي نصر الفارابي ان يُكوَّن تصوُّراً كاملاً عن آرائه الميتافيزيقية فيه بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا أنه وللمرَّة الأولى في تاريخ الفلسفة العربيَّة – الإسلاميَّة يطرح نظرية الفيض، التي تصوَّر صدور الموجودات المتكثِّرة على المبدأ الأوَّل الواحد، والتي ستكون النموذج في بناء صرح “المدينة الفاضلة” التي يتربَّع على رأسها حكيم – فيلسوف، يتولَّى في الوقت ذاته مهام “إمام” الجماعة الدينيَّة3.
لكن بقطع النظر عما أثاره الجدل حول الفارابي ومصادر فكره الفلسفي، فإنَّ عمله في “آراء اهل المدينة الفاضلة” يُشكِّل ذروة مشروعه الذي يسعى إلى جعله الوعاء الأكثر توفيقاً بين الدين والسياسة والفلسفة. ولو كان لنا بسط المباني المعرفية التي قامت عليها مدينته الفاضلة فسنجدها ماثلة في أكثر مصنَّفاته ومؤلَّفاته. وخصوصاً كتاب “السياسة المدنيَّة” وكتاب “الملَّة” الذي قدَّم فيه تلخيصاً مكثَّفاً لها. مع ذلك، فإذا كان كتاب “آراء أهل المدينة الفاضلة” هو المنجز الفلسفي – الفكري الذي جعله الفارابي المحلَّ الأنسب لعرض فلسفته السياسيَّة والأخلاقيَّة، فإنَّ إدراك الأفهام المؤسِّسة للمدينة الفاضلة يتعذَّر تحصيلها على الوجه الآتم من دون النظر بمضنَّفاته الأُخرى الجامعة للفلسفة والأخلاق والدين والسياسة.
وفي المجمل، فقد أراد الفارابي أن يؤسِّس لسيستام حضاري إنساني- إسلامي متكامل يقوم على قواعد ثلاث:
أ-عقلانية أرسطية صارمة تحدِّد منطق النظام العام للمدينة الفاضلة وتصونها من الانهيار ويسدِّدها بالقوَّة والإقتدار.
ب-أخلاقية أفلاطونية تعيد الاعتبار لمنظومة القيم وتأخذ بها على نحو ما اهتدي إليه الحكيم اليوناني في “الجمهورية”. وهذا هو الداعي الذي حمل كثيرين من المحقِّقين والباحثين إلى عقد المقارنة بين مدينة الفارابي وجمهورية أفلاطون كمشروعين ينتسبان إلى فضاء فلسفي ومعرفي وإنساني ذي بُعد خلاصي مشترك.
ج- وحيانية إسلامية استناداً إلى كون المدينة الفاضلة مدينة متديِّنة تأخذ بالإسلام كشريعة إلهيَّة، ويحكمها إمام حكيم يتوفَّر على جمعية صفات الإنسان الكامل في العلم والعمل.
لاحظ الفارابي أن مدينة البشر قد أصبحت في عصره أبعد ما تكون عن مدينة الله، وأن تنظيم المدينة حاد عن نظام الكون، وأنه لم يعد بين أجزاء الأُمَّة ائتلاف وارتباط وانتظام وتعاضد مثلما هو عليه الحال بين أجزاء العالم. لقد اعتقد بضرورة قيام رئاسة فاضلة تعتمد الطرق البرهانية لتعيد الوصل بين الدين والدنيا، ولتقرِّب الإنسان من ربِّه وتجعل منه خليفته على الأرض. وبهذا المعنى أمكننا القول أن الفارابي أسَّس لنظرية معرفة في التدبير السياسي قوامها الجمع بين الحكمة الفلسفية والوحي الإلهي.
- الأفهام المؤسِّسة للمدينة الفارابيَّة:
على خلاف ما انبرى إليه جمع من الباحثين، وخصوصاً لناحية زعمهم بأن تعدُّد اهتمامات الفارابي بالحكمة والمعارف المختلفة أدَّى إلى تعذُّر الوقوف على نظريَّة معرفة جامعة للكل. بل يمكن القول أنَّ نظريَّته في التدبير السياسي هي تتويج لمنظومته المعرفيَّة وتشكِّل ركناً أساسيَّاً في هندستها. لذا سيمضي الفارابي إلى اعتبار الوعي بدرجاته المختلفة شرطاً أساسيَّاً للحاكم والمحكوم في مدينته الفاضلة. والمقصود هنا – حسب المحقِّقين – الوعي بالذات والوعي بالآخر. وبما أن الوعي أساس كل معرفة، فقد أسَّس الفارابي نظاماً معرفيَّاً متكاملاً يمثِّل الحجر الأساس في نظريَّته السياسيَّة والاجتماعية1. ولو كان لنا أن نبسط بالعرض والتحليل لتأسيساته النظريَّة لوجدنا وصلاً وطيداً في ما بينها. فلقد تضمَّن هذا المسرى التكاملي ستتَّخذ المعرفة عند الفارابي جدلاً صاعداً يبدأ من الحسِّ ليصل إلى العقل، ولكنَّها قد تأتي عن طريق جدل هابط من العالم الإلهي عن طرق الفيض أو الصدور، حيث تفيض الصور والمعقولات عن العقل الإنساني من عالم الألوهيَّة، وهذه الصور لم يجرِّدها العقل من موادها بل فاضت عليه من مصدر علوي ودونما مرور بمرحلة الحسّْ. غير أنَّ هذا اللون من المعرفة لا يحصل لأي إنسان كيفما اتّفق، وإنَّما يحصل لذوي النفوس الصافية التي اخترقت حجب المادَّة وتطهَّرت من الشهوات، وترفَّعت عن انفعالات العالم الحسِّي، حيث تصبح نفوسهم كالمرآة الصقيلة التي تعكس صور المعقولات في العقل النظري كما ترتسم الصور في المرايا2. ولو انتقلنا إلى مذهبه السياسي نلاحظ أنَّه يتماهى مع مذهبه المعرفي إلى حدٍّ كبير. والسياسة عند الفارابي تتَّسع لتشمل دراسة الأخلاق والمجتمع. وإذا كان الجدل الصاعد يسود فلسفته الاجتماعيَّة، فإن الجدل النازل يطغى على فلسفته السياسيَّة، وبخاصَّة في نظريَّة الحكم3. فالمجتمعات الكاملة – كما يرى بعض من المحققين – تبدأ من اجتماع أهل المدينة ثمَّ اجتماع الأمَّة في جزء من المعمورة، لتصل إلى الكمال في اجتماع الأمم المختلفة في كافَّة أنحاء المعمورة. وكأن الفارابي هنا يترسَّم خطى المنهج الإستقرائي الحسِّي إلى المعرفة والذي يبدأ من الجزئيَّات ليصل إلى الكليَّات. ولا شكّ في أنّه قد استمدَّ تصوُّره لمجتمع المعمورة الذي يضمُّ عدداً مختلفاً من الشعوب والأمم من واقع التصوُّر القرآني الذي جسَّدته الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[3]، وهو ما يهدف إلى تأسيس دولة أو مجتمع عالمي يتجاوز موانع الجنس واللون والأرض، والتي تحوَّل بشدَّة من دون اجتماع الشعوب واتِّحادها، كذلك استمدَّه من واقع التجربة الإسلاميَّة التي أسَّست دولة مترامية الأطراف ضمَّت العديد من شعوب الأرض والتي انصهرت بشكل أو بآخر في بوتقة الإسلام. ومهما شاب تلك الدولة من ضعف في القيادة وتفكُّك في الأقاليم فإن الوحدة الروحيَّة والثقافة للأمة بقيت ثابتة ومتماسكة إلى حدٍّ كبير[4].
أمَّا بالنسبة إلى نظريَّة الحكم فالفارابي يسلك منهج الجدل النازل، حيث يفصل القول في الحاكم أو الرئيس الفاضل، والذي يضعه على قمَّة نظام هرمي متدرِّج يبدأ من الأعلى فالأدنى. وكما أنَّ المعرفة اليقينيَّة الحقَّة التي تأتي عن طريق الفيض أو الاتِّصال بالعالم العلوي لا يحصل عليها إلَّا ذلك الإنسان الذي توفَّر على قدر عالٍ من الخصال والملكات السامية، فإن الحاكم في مدينة الفارابي هو أكمل الأفراد معرفة وسلوكاً وموهبة لأنَّه يمتلك استعداداً فطريَّاً لذلك. ووجوده شرط أساس لقيام المدينة الفاضلة وحصولها. من هنا، فإن الإصلاح السياسي لا يتأتَّى إلَّا عن طريق إصلاح رأس السلطة، ومن دون ذلك يغرق المجتمع في ظلام المدن الضالَّة والفاسدة. ويؤّكد الفارابي تحت تأثير نظريَّته في المعرفة أن الرئيس الفاضل هو الإنسان الذي استكمل فصار عقلاً ومعقولاً بالفعل، وتلك درجة لا يرقى إليها إلَّا الأنبياء المصطفون وقد ينالها الأولياء العارفون. فيؤكِّد في ذلك التحام البعد المعرفي والسياسي وتماهيها في فلسفته. وإذا كان أفلاطون قد اشترط أن يكون الحاكم فيلسوفاً أو حكيماً، فإن الفارابي اشترط أن يكون رئيس المدينة الفاضلة نبيَّاً أو إماماً عادلاً أو حكيماً فاضلاً معتقلاً، ناهيك بأن أفلاطون بقي أسير النظرة الضيِّقة إلى المدينة الأثينيَّة التي أسَّس نظريَّاته السياسيَّة بناء عليها، ولم يخرج إلى الإطار الإنساني والعالمي الرحب كما فعل الفارابي[5].
- المفهوم الفلسفي للمدينة الفاضلة:
يقيم الفارابي عمارته الفلسفيَّة في “المدينة الفاضلة” على النظام نفسه الذي أقامه في المُصنَّفات التي سبقت، وكذلك في المُصنًّفات التي سوف تلي. وسنلاحظ أنَّ مقولته الفلسفيَّة الأساسيَّة تأسَّست على بديهيَّة عقليَّة منطقيَّة قوامها: إننا نستنتج حتماً، من وجود الكائنات الحادثة، الممكنة، وجود كائن واجب الوجوب، موجود بذاته، وجوده علَّة وجود باقي الكائنات، إذ يستحيل التسلسل في مجموعة الكائنات الحادثة، وإلاَّ لما وُجد الشيء. وهذا يعني، أنَّه إذا كان كل كائن ممكن صادراً عن كائن آخر ممكن الوجود، وبمعنى آخر لا يوجد أي كائن. فإذن لا بد من وجود كائن واجب الوجود، أي كائن غير مُحتاج إلى غيره في وجوده ويمون وجود الكائنات الممكنة تابعة له[6].
إلى البديهيَّة آنفة الذكر لا يقدِّم الفارابي براهين على وجود الله، بل يسلِّم بوجوده تسليماً بديهيَّاً، ويسمِّيه تعالى” الأوَّل” أي سبب وجود باقي الكائنات كُلِّها. والأوَّل خال من كلِّ نقص هو قديم، موجود بذاته لا بعلَّة خارجة عنهُ. وهو غير مادي، وليس قوامه بمادة وليس بشيء آخر. ليست له صورة (ماديَّة) لأنَّ الصّورة لا تقوم إلاَّ في مادة، إلاَّ لكان مُركَّباً من مادة وصورة، فيكون مركَّباً. والأول لا يتحرَّك نحو غاية وإلاَّ أصبحت هذه الغاية علَّة له ولحركته. والأول لا يوجد ولا عن كائن سابق له ولا أدنى منه فإذن ليست له علَّة فاعليَّة. وعند الفارابي ليس للأول ضد، إذ إنَّ الضدَّين يستطيع أن يؤثر كل واحد منهما على الآخر، وأن يُبطل أحدهما الآخر؛ وما يمكن إبطاله ليس قائماً بذاته، فإذن هو ليس قديماً بل حادثاً بغيره(…) والأول لا يمكن تحديده أو تعريفه، إذ إنَّه غاية في البساطة وهو ليس بجسم، هو وحدة مُطلقة، غير منقسم (يلاحظ هنا الشبه الكبير بين موقف الفارابي من الأول وموقف المعتزلة من التوحيد). ولما كان الأول غير مادي فهو بجوهره عقل بالفعل، إذ إنَّ المادة هي التي تمنع الصورة من أن تكون عقلاً بالفعل ومعقولة بالفعل. والأول يعقل ذاته، فهو عقل وعاقل ومعقول، ولكن كل ذلك جوهر واحد غير منقسم ولا متكثر. ولما كان الأول يعقل ذاته فهو علم، وعلمه هو جوهره. وهو حق لأنه موجود وهو حياة. ولكن كل هذه الصفات التي ننسبها نحن إليه لا تدل على تعدُّد فيه، بل هو وحدة مطلقة (تماماً مثل موقف المعتزلة. ويلاحظ أن الفارابي كان معاصراً للمعتزلة). فإذا نسبنا إلى الأولى صفات عديدة فهذا لا يعني أن فيه كثرة، بل كلُّ هذه الصفات لا تدلُّ إلاَّ على جوهر واحد كامل بسيط. ثُمَّ إنَّ الأوَّل لا يعشق إلاَّ ذاته لأنه كمال مطلق؛ وهو غير محتاج إلى غيره ففيه العاشق والمعشوق واحد، سواء اشتاق إليه غيره أم لم يشتَق إليه[7].
أفاد الفارابي في رؤيته الفلسفيَّة للوجود من نظريَّة الفيض لأفلوطين الإسكندري. وهي وإن نسبها خطأ إلى أرسطو في كتاب “آثولوجيا” انطلاقاً من سعيه الدؤوب للتقريب والجمع بين أرسطو وافلاطون، فقد شكَّلت هذه النظريَّة بالنسبة إليه أساساً لفلسفته الجمعيَّة بين المُثُل الأفلاطونيَّة والمنطق الأرسطي والوحي الديني.. هكذا وجد الفارابي في حكمة الفيض حلًّا منطقيًّا لأكثر المسائل التي جاء بها الدين عبر الوحي الإلهي، وكذلك للقضايا التي يثيرها العقل الفلسفي، ولا سيما تلك المتعلِّقة بالأُطروحات الكُبرى مثل: مصدر العالم، طبيعة الله، مصدر النّفس البشرية ومصيرها، النبوَّة، والأُسُس التي يجب أن تُشيَّد عليها المدينة الفاضلة[8].
تقوم الفلسفة الفيضيَّة على أنَّ وجود باقي الكائنات يتبع حتماً وجود الأوَّل، وهي فيض منه، وهذا الفيض قديم وهو لا ينقص شيئاً من الأوَّل ولا يزيد كمالاً. والكائنات الفائضة منه متَّصلة بعضها ببعض، وصادرة بعضها عن بعض. فمن الأوَّل يفيض الثاني الذي هو أيضاً جوهر لا مادي، وعقل خالص يعقل ذاته ويعقل الأوَّل، ومن هذا التعقُّل المزدوج تصدر باقي العقول والأفلاك الثابتة والمتحرِّكة وعددها سبعة (زُحل، المُشتري، المريخ، الشَّمس، الزُهرة، عُطارد، القمر). ولما كانت هذه العقول لا ماديَّة فإنَّ ليس لها ضدٌّ إذ إنَّ للضدِّ مادة مشتركة بينه وبين ضدِّه. ثُمّ إن كل عقل فريد من نوعه، إذ إن الأفراد تتعدَّد في النوع الواحد بفضل المادة، وهذه العُقول لا ماديَّة. ثمَّ إن كل واحد من هذه العقول يعقل ذاته ويعقل الأوَّل، وفي ذلك سعادة هذه العقول.
إنَّ أجسام الأفلاك لا ضدَّ لها، وهي من عنصر غير فاسد. وعناصر عالم الكون والفساد تتَّبع عالم ما دون فلك القمر. ومن فعل كل عنصر على الآخر، ومن فعل الأجسام السماويَّة عليها تظهر الأخلاط؛ ومن اتحاد الأخلاط بالعناصر تنتج الأجسام المختلفة: النبات، الحيوانات، والإنسان. وكلها قابل للفساد الذاتي مع استمرار النوع الذي هي أفراده.
وفي تفسيرها للوحي تُبيَّن فلسفة الفيض بحسب كلام الفارابي، أنَّ العقل الفعَّال يشرق دائماً وباستمرار الحقائق على العالم، ولكن النفس ذات المُخيَّلة الصافية، النقيَّة، تتلقَّى هذه الحقائق، تعبِّر عنها بلغة بشريَّة تجعلُها في مُتناول حواسِّ الآخرين ومُخيَّلتهم، حيث يوجد صدى ضئيل لهذه الحقائق. أمَّا الحقائق في ذاتها، فإنَّها تفوق هذا المنطق المادي المحسوس، أي اللغة التي استُخدمت للتعبير عنها. ويستطيع الفيلسوف وحده، بفضل المنطق والتأمُّل العقلي، أن يرتقي حتى مصدر هذه الحقائق، أي العقل الفعَّال، ويدركها جليَّة واضحة. بمعنى آخر يستطيع الفيلسوف أن يفهم الصور العقليَّة القائمة على العقل الفعَّال[9].
- المفهوم الأخلاقي – السياسي:
للمدينة الفاضلة عند الفارابي ما يضاهيها من المدن. وفي هذا بيان الوجه الآخر للحكمة التي أُنشئت مدينته عليها. فبيان حقائق المدن المبنيَّة على الفساد والجهل والفسق وما إليها تسطع أنجُم الفضائل في المدينة الفاضلة. وهكذا تُضادُّ المدينة الفاضلة مدن غير فاضلة، أجمَلَها الفارابي في أربعة أقسام كبيرة وهي:
أولاً: المدينة الجاهلة التي لم يعرف أهلها السعادة الحقيقيّة، واعتقدوا أنَّ غاية الحياة في سلامة البدن واليسار والتمتُّع باللذَّات، والإنقياد إلى الشَّهوات، وأن يكون الإنسان مُكرَّماً مُعظَّماً.
ثانياً: المدينة الفاسقة التي عرفة اهلها السعادة والله، ولكن جاءت أفعالهم أفعال أهل المدن الجاهلة.
ثالثاً: المدينة المبدَّلة هي التي كانت آراء أهلها آراء المدينة الفاضلة ولكن تبدَّلت في ما بعد وأصبحت آراء فاسدة.
رابعاً: المدينة الضَّالَّة هي التي يعتقد أهلها آراء فاسدة في الله والعقل الفعَّال، ويكون رئيسها ممن أوهم أنَّه يوحى إليه، وهو ليس كذلك.
ولما كانت المدينة الجاهلة مدينة مُشرَّعة البواب والمنافذ على التّنوُّع والتلوُّن، حيثُ الجهل بالحقائق تتعدَّد مناحيه، فرَّع الفارابي المدينة الجاهلة إلى جماعة مدن، منها:
أ – المدينة الضروريَّة، هي التي قصد أهلها الاقتصار على الضروري مما به قوام الأبدان من المأكول والمشروب والملبوس والمسكون والمنكوح، والتَّعاون على استفادتها.
ب – المدينة البدَّالة، هي التي قصد أهلها أن يتعاونوا على بلوغ اليسار والثروة، ولا ينتفعوا باليسار بشيء آخر، لكن على أنَّ اليسار هو الغاية في الحياة.
ج – مدينة الخِسَّة والسُّقوط، هي التي قصد أهلها التمتُّع باللَّذة من المأكول والمشروب والمنكوح، وبالجملة اللَّذة من المحسوس والتخيُّل وإيثار الهزل واللَّعب بكل وجه ومن كل نحو.
د – مدينة الكرامة، وهي التي قصد أهلها أن يتعاونوا على أن يصيروا مكرَّمين، ممدوحين مشهورين بين الأُمم، ممجَّدين مُعظَّمين بالقول والفعل، ذوي فخامة وبهاء، إما عند غيرهم وإما بعضهم عند بعض، كلَّ إنسان على مقدار محبَّته لذلك، أو مقدار ما أمكنه بلوغه منه.
هـ – مدينة التغلُّب، وهي التي قصد أهلُها أن يكونوا القاهرين لغيرهم، الممتنعين أن يقهرهم غيرهم، ويكون كدَّهُم اللذَّة التي تنالهُم من الغلبة فقط.
و – المدينة الجماعيَّة، هي التي قصد أهلها أن يكونوا أحراراً، يعمل كلُّ واحد منهم ما شاء، لا يمنع هواه في شيء أصلاً.[10]
وملوك الجاهليَّة – على رأي الفارابي – هم على عهد مدنها. أن يكون كل واحد منهم إنما يدبِّر المدينة التي هو مسلَّط عليها ليحصل هواه وميله. ولقد أراد بهذه الإشارة أنَّ المدن الجامعة هي تماماً كالنُّفوس المُفردة. وهذه المسائل التي يكشف عنها أبو نصر إنما ترمي إلى تعيين الإطار الأخلاقي للنفس الإنسانيَّة سواء في كونها الفردي الخاص أم في كونها الإجتماعي العام. ومن هذا أمكن القول بجواز اعتبار المدينة وأضدادها، كالنفوس الإنسانيَّة المُفردة وأضدادها. وهو ما يتَّضح في التَّصريح عن مصير سكان هذه المدن. حيث يبيِّن الفارابي أن كل نفس أدركت الحقيقة أي علمت الأول والفيض، والعقول الثواني؛ والعقل الفعال. تكون قد اكتسبت الخلود. فإذا فعلت حسب هذه الآراء كانت من الأنفس الفاضلة ودخلت في السعادة. أما إذا جهلت هذه الحقيقة فيكون مصيرها الزوال والعدم. فأنفُس أهل المدن الجاهلة صائرة إلى الزَّوال، وأنفُس أهل المدن الفاسقة تخلُد في الشَّقاء، وأنفُس أهل المدن المبدَّلة تزول، غير أن من بُدِّل عليه الأمر وكان يعلم الحقيقة فنفسه تخلُد في الشَّقاء، وكذلك نفس من أوهم أنه ممن أوحى إليه؛ أما أهل المدن الضَّالة فمصيرها الزوال.
أما سعادة الأنفُس فتكون بتأمُّلها الحقائق الأزليَّة في العقل الفعَّال؛ فهي سعادة عقلية محضة. وفي رأي الفارابي، تتصل أنفُس كل طائفة من طبقات أهل المدن الفاضلة بعضها ببعض، وتصير كنفس واحدة. وكلما كثُرت الأنفُس المتشابهة واتصل بعضها ببعض زادت سعادتها. وكذلك الأمر بأنفُس أهل المدن الفاسقة؛ كلما أتت طائفة جديدة اتَّحدت بمن سبقها من الأنفُس، وأصبحت كنفس واحدة، وزاد شقاؤها. أما البدن فينحلُّ إلى عناصره ويدخل في تكوين أبدان أُخرى. فلا بعث لأجسادٍ عند الفارابي[11].
سنقع على واحد من المبادئ الأساسية في منهج الفارابي الفلسفي حين نلاحظ المنطق الداخلي الذي يجمع بين جملة أعماله. هذا المبدأ هو الربط حكمة والسياسة. فما نتبين في آراء أهل المدينة الفاضلة نجده في كتابه “فصول منتزعة” الذي يبحث في العلم المدني، ولذلك فهو ينتمي إلى تلك السلسلة التي صنَّفها الفارابي، وبحثت في ما ينبغي سلوكه في التدبير البشري في الأخلاق والمعاملات. مثل “المدينة الفاضلة” “السياسة المدنيَّة – الملقب بـ”مبادئ الموجودات”، “الملة”، و”تحصيل السعادة”.
يبيِّن ابن أبي أصيبعة(المتوفَّى سنة668 هـ -127م) “عيون الأنباء” فضلاً عن “طبقات الأُمم” لصاعد الأندلسي(المتوفَّى سنة462 هـ -1070م) أنَّ الفارابي كتب “المدينة الفاضلة” ببغداد وحمله إلى الشام في آخر عام 330 ه وتمَّمه بدمشق عام 331 ه وحرَّره، ثم نظر إلى النسخة بعد التحرير فأثبت فيها الأبواب، ثم سأله بعض الناس أن يجعل له فصولاً تدلُّ على قسمة معانيه فعمل الفصول بمصر في سنة 337 ه، وهي ستة فصول تسمَّى بـ”فصول المدني” أو “فصول منتزعة”[12].
يُرجِّح الباحثون أنَّ “المدينة الفاضلة” هي أحد أبرز مرتكزات فلسفة الفارابي. وسنجد أنَّ ما سبقها وما تلاها من مصنَّفات كانت استكمالاً لنظريَّته الفلسفيَّة – السياسيَّة في السياسة الفاضلة التي ستجتاز النظرة الأفلاطونيَّة لجهة إضفاء المضمون الديني الإسلامي على أُطروحة “المدينة الفاضلة”. وحسب وصف ابن خلدون للسياسة المدنية بأنَّها: تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمُقتضى الأخلاق والحكمة نكون وجدنا الوصف المُطابق الذي قصدته “المدينة الفاضلة”.
وثمَّة من يتساءل عن أنه إذا كانت “المدينة الفاضلة” هي نفسها “السياسة المدنية” و”فصول منتزعة” و”الملَّة” وسواها، فلماذا ألَّف الفارابي كل هذه المصنَّفات المتشابهة؟ يقول كثيرون ممن قرأوه إنه كأقرانه من الفلاسفة شاء لفلسفته أن تتوزَّع على عدد من المُصنَّفات لضرورات تتعلق بتفصيلها على النحو الذي يمنحها التكامل، بحيث لا يبقى أيٌّ من أحياز نظريته غامضاً غير مفهوم. لكن ثمَّة من المعلِّقين من يجزم بأنَّ الفروقات بين المصنَّفات وخصوصاً بين “المدينة الفاضلة” و”السياسة المدنيَّة” ليست عَرَضيَّة، ولا بد من أن يكون له غاية قصوى في إعادة تأليف كتابه ووسمه بإسم آخر تاركاً أشياء ومضيفاً أُخرى[13].
أما ما يتصل بمنهج الفارابي في الجمع بين الحكمة العليا والسياسة (كما فعل في “المدينة الفاضلة” و”السياسة المدنية” و”فصول منتزعة”)، حيث عالج في الوقت نفسه العلم الإلهي ومبادئ الموجودات والعلم المدني وأصناف المدن، فله في ذلك غاية قصوى في معالجة القضايا الإلهية ضمن نطاق العلم المدني كما فعل أفلاطون قبله. وكما سيفعل فلاسفة وحكماء كثيرون بعده وأخصَّهم الحكيم الإلهي صدر الدين شيرازي في “الأسفار الأربعة” وبدا واضحاً في السفر الرابع من هذه الأسفار(بالحق في الخلق إلى الحق)[14].
فالآراء الإلهية رغم أنها تقع ضمن الفروع النظرية من الفلسفة، لها علاقة مباشرة بحياة الإنسان المدنية وسعادته. وبما أن العلم المدني هو الذي يفحص عن أصناف الأفعال والسير الإراديَّة وعن الأخلاق والسجايا والشيم التي عنها تكون تلك الأفعال والسُّنَن، وعن الغايات التي لأجلها تفعل وكيف ينبغي أن تكون موجودة في الإنسان فهو لذلك يبحث في كل ما من شأنه أن يكون له علاقة بسعادة الإنسان. وهذا لا يعني أن العلم الديني، وهو علم عملي، ارفع مرتبة من العلم الإلهي أو الفلسفة النظرية. كل ما في الأمر أن العلم المدني يعني بالمبادئ الأوليَّة والنظريَّات الإلهيَّة لما لها من علاقة بسعادة الإنسان. فسعادة الإنسان القصوى وكماله يتوقفان ليس فقط على أفعاله بل، وهو الأهم على آرائه أيضاً. فليس إذاً من الصدفة أن يدعو الفارابي كتابه الثاني “مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة”، وهي الآراء التي يجب أن يعتقدها أهل المدينة حتى يصلوا إلى السعادة التي هي الكمال النظري[15].
- المبنى الديني وجدليَّة الجمع والتأليف:
والجمع بين الميتافيزيقا وعالم الطبيعة البشرية، بوصفها أمراً واحداً متصلاً لا انقطاع فيه، عائد إلى اعتقاد “المعلم الثاني” بالجمعية الوجودية. أي إلى الإتصال الوثيق بين أمر الخالق ومأمورية المخلوق. وتالياً إلى مبدأ العلِّيَّة الذي يحكم هذا الإتصال. ولهذا المبدأ لدى الفارابي نظر عقلي فلسفي يتحدَّد ويتمازج مع النظر النقلي الديني وما يوافق الوحي. وفي “المدينة الفاضلة” سنقع على أوضح تجلِّيات هذا الإعتقاد، لا سيما لجهة صوغ مخطط متكامل للمدينة الجامعة بين فضاء الألوهيَّة وأرض البشر. ربما لهذا السبب بدا لكثيرين من الباحثين أن الفارابي في كتاب “أهل المدينة الفاضلة” كان متألِّهاً وفيلسوفاً سياسياً في آن، ذلك أن فلسفة الفارابي السياسيَّة تظهر في “المدينة” من خلال انبنائها على المماثلة بين عالم الطبيعة وعالم رأسه المبدأ الأول (اي الله تعالى) والمدينة الفاضلة وعلى رأسها النبي أو الرئيس الفيلسوف أو الولي الفقيه. و”مقولة المدينة الفاضلة” عنده هي تلك التي تضاهي في نظامها وهندستها نظام العالم[16]. وها هو يصرِّح عن هذه المضاهاة في ما جاء في كتابه: “السياسة المدنية” الذي هو استكمال لأطروحات المدينة الفاضلة فيقول: وكما أن في العالم مبدأ ما أولاً، ثم مبادئ أُخَر، على ترتيب (=العقول السماوية، الملائكة)، وموجودات عن تلك المبادئ (=الأفلاك والأجرام السماوية)، وموجودات أخرى تتلو تلك الموجودات على ترتيب(=اشياء الطبيعة في الأرض)، إلى أن تنتهي إلى آخر الموجودات رتبة في الوجود (=المادة غير المشكلة “الهيولي”).
وكذلك في جملة ما تشتمل عليه الأمة أو المدينة مبدأ أول (=الخليفة الرئيس، الملك)، ثم مبادئ أخرى تتلوه (=الصحابة، خاصة الخاصة)، ومدينيون آخرون يتلون تلك المبادئ(=الخاصة) آخرون يلون هؤلاء إلى أن ينتهي إلى آخر المدينيين رتبة في المدينة والإنسانية (=العامة – الشعب)، حتى يوجد في ما تشتمل عليه المدينة نظائر ما تشتمل عليه جملة العالم. وهكذا تكون المدينة حينئذٍ مرتبطة أجزاؤها بعضها ببعض، ومؤتلفة بعضها مع بعض، ومرتبة بتقديم وتأخير بعض، وتصير شبيهة بالموجودات الطبيعية ومراتبها شبيهة أيضاً بمراتب الموجودات التي تبتدئ من الأول وتنتهي إلى المادة الأولى والإسطقسات (=الماء، الهواء، النار والتراب)، وارتباطها وائتلافها شبيهاً بارتباط الموجودات المختلفة بعضها ببعض وائتلافها. ومدبر تلك المدينة شبيه بالسبب الأول الذي به سائر الموجودات[17].
لقد كان واضحا” بالنسبة للفارابي أن المدينة الفاضلة على تعاليها السياسي، هي مشروع تاريخي واقعي ينبغي الأخذ بعناصره المكوِّنة لتحصيل السعادة البشريَّة. وسيتبيَّن لنا في محطات لاحقة الوجه الطبيعي للحكمة الفيضيَّة التي عليها سينتصب صرح المدينة الفاضلة بعوامله المكونة كافة. فهذه الحكمة تفسِّر الوحي وتقبل عليه فيما تتوسل الفلسفة في الآن عينه كطريق لهداية العقل، حيث وجد بين الفلسفة والوحي تلك الوحدة المتماسكة الأجزاء، المتَّسقة المبادئ التي لا فجوة فيها ولا تناقض ولا تفاوت.
فالحكمة الفيضيَّة إذاً هي التي ستنشئ الإطار النظري للمدينة الفاضلة، ثم لتظهر آراء أهلها على النحو الذي صاغه الفارابي استناداً إلى مرجعيَّته المختلفة مضيفاً عليها سمته الخاص[18].
لقد أراد في عرضه لـ “المدينة الفاضلة وآراء أهلها” أن يهندس مجتمعاً بشرياً على أساس من الفضيلة والعدل. وتأويله في ذلك أن النبي والحكيم يدركان كلٌ من مقامه الحقائق الأزلية الموحى بها من لدُن العقل الفعَّال. وإذا كانت هذه الحقائق غير ماديَّة ولا محسوسة فإن وضعها في قالب محسوس لا يعني أنها حقائق محسوسة. ولما كان النبي والفيلسوف الحكيم يدركان هذه الحقائق، فيحق لها فقط أن يؤسسا المدينة الفاضلة التي تقوم على دعائم موحى بها من علٍ. وهنا يسترشد الفارابي بنظرية أفلاطون الخاصة بالفيلسوف الملك، ويضيف إليها نظرية النبي الملك. لقد قال أفلاطون إن الفيلسوف يتأمل “المثل”، ويسترشد بها في تكوين المدينة الفاضلة وإدارتها، بينما رأى الفارابي أن الفيلسوف يتأمل هو أيضاً هذه الحقائق الأزلية في العقل الفعَّال الموجود في فلك القمر، كما أن النبي يوحى إليه بها من المصدر نفسه، وكل مدينة قائمة على خلاف هذه الأسس مصيرها الهلاك والزوال، وكل مدينة عرفت هذه الأسُس وتجاهلتها هي مدينة فاسقة، مصير أهلها العذاب[19].
تبعاً لهذا التنظير الفارابوي، لاحظ محمد عابد الجابري أن مقصود صاحب المدينة الفاضلة من “البرهنة التاريخية والمنطقية على أسبقية الفلسفة على الدين، هو إضفاء المشروعية والمعقولية على مشروعه الأساسي: المدينة الفاضلة، التي يندمج فيها الدين والسياسة في الفلسفة. ثم يورد الجابري عدداً من الملاحظات يعتبرها مهمة وأساسية في سياق استخلاص المدلول الإيديولوجي لفلسفة الفارابي السياسية الدينية. وهذه الملاحظات هي:
1-دمج الميتافيزيقا والسياسة في منظومة واحدة استعمل فيها منهجاً استدلالياً يصادر فيه على المطلوب.
2- بناء الموجودات، في عالم الإله وعالم الطبيعة والإنسان على أساس تراتب هرمي، يقصد منه – ظاهرياً- تشييد المدينة الفاضلة على غرار مدينة الله (أي العالم) حتى يتحقَّق لها من النظام والكمال ما هو متحقِّق فيما شيَّده الله.
3- إبراز التناظر بين تركيب عالم العقول المفارقة من جهة وعالم الانسان، كنفس وكبدن من جهة ثانية، وعالم الاجتماع الديني من جهة ثالثة لخدمة قضية واحدة أساسية. وهي إبراز دور الرئيس بوصفه قمة الهرم الذي تشكله كل هذه العوالم: العقل الأول بالنسبة إلى العالم الإلهي، والقلب بالنسبة إلى الجسد، والعقل المستفاد بالنسبة إلى قوى النفس، والرئيس بالنسبة إلى المدينة الفاضلة.
4- إبرام أهمية المخيلة، والإفاضة في تحليلها، والإلحاح على قدرته، على تجاوز العالم الحسِّي، وتلقِّي الوحي من العالم الإلهي، كل ذلك من أجل حل مشكلة النبوَّة، وإقامة جسر بين النبي والفيلسوف، بين الدين والفلسفة، وبالتالي إسناد رئاسة المدينة الفاضلة لهذا النبي الفيلسوف.
5- اصطناع الجدل النازل (من الله إلى العالم) عند تحليل العالم الإلهي وبيان تراتب العقول. من العقل الأول(الله) إلى العقل العاشر(العقل الفعال أو ملاك الوحي). واصطناع الدل الصاعد عند تركيب العالم السفلي، عالم الطبيعة والإنسان، ابتداء من الهيولى واجتماع الإسطقسات إلى العقل المستفاد، وانطلاقاً من الكائن الفرد وضرورة الاجتماع إلى المدينة الفاضلة[20].
في “كتاب الملَّة” الذي كرَّسه الفارابي للحديث عن موقعية الدين في المدينة الفاضلة، فإنه لم يعرفه كمجموعة من الآراء والأفعال(من دون أن يذكر عقائد الإسلام) تتصل بمؤسس، بهدف تشكيل جماعة متميِّزة، وبهدف تحقيق أهداف معينة، وهذه الأهداف تتجاوز بكثير الأخلاق والسياسة عند أرسطوطاليس، فتشمل صراحة علماً للكون وفقها سياسيين، علم نفس سياسياً وفيزيولوجيا سياسية، فما يتوافق مع علمٍ سياسيِّ للكون – لا بل مع نظرية لنشأة الكون – وهو وصف لأجزاء النفس البشرية ولأجزاء المدينة، نظرية التذكر الأفلاطونية جليَّة، لكننا في عالم توحيدي وخلقي، وفي ذلك تغيير كبير. لكن ثمة تأثير واضح هو تأثير نوع من العلمنة العائدة إلى المنطق الداخلي للمنهجة، جعل الفارابي يتحفظ تجاه المعطيات التاريخية[21].
ربما كان “تسييس” الفكر أكثر إضافات الفارابي أصالة في العالم الإسلامي. ويمكن تفسير هذا التسييس بأصوله وبالتحام الحاصل منذ العصر الساساني بين المعني اليوناني لكلمة polis ومعنى الدولة عند الفرس. يتحدث القرآن عدة مرات عن المدن، لكن من دون أن تكون لذلك دلالة خاصة. الكندي نفسه لم يستوقفه ذلك الأمر؛ أما الرازي فقد تحدث خصوصاً عن الفرد، ويبدو أنه لم يتطرَّق إلى السياسة إلا عرَضاً. في المقابل، وابتداءً من الفارابي، نالت رفعة مكانة الجماعة إقراراً في الفلسفة. بعد ثلاثة أرباع القرن من ذلك، سوف ينهي ابن مسكويه أول مجلَّدات كتابه: “تهذيب الأخلاق” بالتأكيد أن الإنسان “مدني بالطبع، أي هو محتاج إلى مدينة فيها خلق كثير لتتم له السعادة الانسانية”[22].
5-الإمام المدبِّر للمدينة العرفانيَّة الفاضلة:
تركَّز مسعى الفارابي على تشكيل هندسة معرفيَّة متكاملة لمدينته تستوي على نشأة الفضيلة والمعرفة. وسيظهر لنا ذلك بصورة جليَّة لدى حديثه عن خواص ومزايا رئيس المدينة أو الإمام المدبِّر لأحوالها.
لقد حدَّد الفارابي على طريقة أفلاطون مزايا رئيس المدينة الفاضلة. لكنه أفاض بها فأضاف إليها ما اتَّصفت به الدولة الإسلامية في مرحلتها التأسيسيَّة أي دولة النبي والخُلفاء. واستناداً على اعتقاده(الفارابي) بمبدأ الجمع الوجودي التراتُبي بين المبدأ الأول والكون والإنسان فقد رأى أن الإنسان لا يستطيع أن يبقى وأن يبلُغ كمالاته إلاَّ في المجتمع.
ولئن كانت صفات الرئيس الأفلاطوني متَّصفة بالعموميَّة والإجمال، فإنَّ الصِّفات التي يخلعها الفارابي على رئيس مدينته ذات مزيَّة خاصة، خصوصاً حين يمنحها طابعها الديني الإسلامي. وهذه هي على الإجمال الصفات المخصوصة لرئيس الفارابي.
إنَّ الرئيس الأول هو مؤسس المدينة الفاضلة، فينبغي أن يكون هو أولاً، ثم يكون هو السبب في أن تحصل المدينة وأجزاؤها، والسبب في أن تحصل الملكات الإرادية التي لأجزائها في أن تترتَّب مراتبها[23].
2- إنَّ هذا الرئيس الأول، مؤسس المدينة الفاضلة، نسبته إلى هذه المدينة كنسبة السبب الأوَّل إلى سائر الموجودات، ولذلك ينبغي أن تبنى المدينة الفاضلة على الترتيب والنظام نفسه الذي بُنيَ عليه الكون. فهو الرئيس الذي لا يرأسه أحد وهو يرأس الجميع…إنَّه خليفة الله في الأرض[24].
3- إنَّ هذا الرئيس الأوَّل مؤسس المدينة الفاضلة يتمتَّع بمخيِّلة بلغت غاية الكمال وبعقل يسمو إلى درجة العقل المستفاد. فهو نبي وفيلسوف يتلقى المعرفة من العقل الفعَّال إما بطريقة الوحي وإما بطريقة التَّعقُّل والتأمُّل. وينقل الجابري عن الفارابي[25] ما يفصح عن هذه المرتبة فيقول: “إذا حصل ذلك لرئيس المدينة” أي إذا كمُلت مخيلته وبلغ درجة العقل المستفاد كان هذا الإنسان هو الذي يوحى إليه، فيكون الله عزَّ وجل، يوحي إليه بتوسط العقل الفعَّال، فيكون ما يفيض من الله تبارك وتعالى، إلى العقل الفعَّال يفيضه العقل الفعَّال إلى عقله المنفعل حكيماً فيلسوفاً ومتعقِّلاً على التمام، وبما يفيض منه إلى قوَّته المتخيَّلة نبيَّاً ومنذراً بما سيكون ومخبراً بما هو الآن من الجزئيات.
4-أن يكون متَّصفاً بجملة من الخصال الجسمية والنفسية والعقلية والخلقية حصرها الفارابي في اثنتي عشرة خصلة، وهذه الخصال استوحاها الفارابي في آن واحد من جمهورية أفلاطون وصفات النبي(عليه الصلاة والسلام)[26].
وعليه، كانت المهمة العظمى في الحكمة الفارابية تظهير نظرية تعرُّف على رئيس المدينة الفاضلة يحكم بالعدل ولا يحيد عن معطيات الوحي حول مفهوم الخليفة الذي يتولى أمر الله في عالم الخلق. وهذا الخليفة الذي يرشِّحه ليكون على رأس المدينة، له صفة استثنائية ومفارقة عما دونه من زعماء وقادة. فهو صاحب العقل المستفاد المخصوص بالإنسان الكامل بما هو المرتبة الأعلى التي يستطيع عقل البشر الوصول إليه. وهي درجة من الكمال حيث لا يكون بينه وبين العقل الفعَّال شيء آخر، فيصبح مؤهَّلاً لتلقِّي المعقولات منه مباشرة.
على هذا النَّحو يلمح الفارابي إلى جعل مدينته الفاضلة مدينة عارفة أيضاً. ويدعو أهلها ليكونوا عارفين بأنفسهم، إذ متى عرفوا أنفسهم عرفوا بالعقل، عرفوا دينهم وشريعتهم حقَّ المعرفة فسلكوا بذلك سبيلهم إلى السعادة وباتت الطَّريق بين الدنيا والآخرة موصولة بالعُروة الوثقى والصّراط المستقيم. وإذا كان صعباً على النفس الفردية أن تتخلَّص من عوالقها وحدها – حسب الفارابي- فإنَّ انخراطها في المدينة الفاضلة يجعل بلوغها يسيراً وسهلاً ذلك لأن “كل واحد من الناس مفطور على أنه محتاجٌ إلى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء ممَّا يحتاج إليه. وكل واحد من كل واحد بهذه الحال، فلذلك لا يمكن أن يكون الإنسان ينال الكمال، إلاَّ باجتماعات جماعة كثيرة متعاونين(….)، والخير الأفضل والكمال الأقصى إنَّما يُنال أوّلاً بالمدينة. والمدينة التي يُقصد بالإجتماع فيها التَّعاون على الأشياء التي تنال فيها السعادة والحقيقة هي المدينة الفاضلة”[27].
وما من ريب أن الفارابي لم يقارب المدينة الفاضلة إلا لتظهير تصوُّر عقلاني للوعد الإلهي بسعادة البشريَّة كما جاء في تقرير الوحي النازل على قلب نبي الإسلام (ص). ويبدو واضحًا إنَّه حين يتحدَّث عن رئيس المدينة تتراءى لقارئه وكأنَّه يحاكي الشخصيَّة النبويَّة، فيطلق على هذا الرئيس اسم واضع النواميس وأحيانًا واضع الشريعة. وهذا الوصفان لا ينطبقان إلا على نبي الإسلام. وعليه فإنَّه لمَّا سعى إلى تشكيل المباني المعرفيَّة لمدينته انبرى إلى ترتيب خاص ينطلق من النظام الذي قامت به موجودات العالم، ويرى ضرورة انطباقه على سياسة الإنسان. فالعالم من وجهة نظره مخلوق من الله الواحد الأحد مدبِّر جميع الأمور وعليه يقول بأن المدينة يجب أن تنتظم وفق نظام العالم. وصفوة القول أن رئيس المدينة يتأسَّى بالله ويتَّبع آثار تدبير مدبِّر العالم من حيث إعطاء أصناف الموجودات وخلق الغرائز والفِطَر والهيئات الطبيعيَّة بحيث يحمل كل صنف من أصناف العالم وجميع الموجودات الخيرات الطبيعيَّة كل بحسب مرتبته. وهكذا سيتبيَّن لنا أن نقطة الجاذبية في فلسفة الفارابي السياسية هي تقديم نموذج متخيل عن الدولة العادلة حيث يكون العقل المسدَّد فيها موصولاً بالشريعة المقدَّسة ولا ينفكُّ عنها البتة. وبهذا يتأسَّس الحكم الصالح الذي ينبني إلا على آراء نظرية صائبة؛ ذلك لأن آراء أهل المدينة الفاضلة لا يجوز أن تتناقض، أو تجانب صواب العقل، فيحكمها الجدال العقيم؛ بل على خلاف ذلك، يجب أن تصبح موحدة ومعقولة وفاضلة، بحيث تؤدِّي إلى تحقيق السعادة الحقيقية التي هي سعادة الحياتين الدنيوية والأخروية معاً. تأسيساً على هذا التصوُّر المعقلن للوجود الإنساني، يقترح أبو نصر نظريته الشهيرة في (الرئيس الفيلسوف النبي)، أو (الرئيس الأول الفاضل)، الذي إذا وجد في المدينة، وحكم فيها كانت فاضلة، وكان اجتماعها اجتماعاً فاضلاً[28]، فلأن دور هذا الرئيس الأول محوري في تجسيد العقل في المجتمع الملي؛ يعمد المعلم الثاني إلى تشبيهه بالسبب الأول[=الله] في تدبير الوجود عبر العقول الثواني [=الملائكة]؛ إذ الرئيس الأول في المدينة – بحسب سياسته- ينبغي أن يوجد أولاً، ثم يكون هو السبب في أن تحصل المدينة وأجزاؤها، والسبب في أن تحصل الملكات الإرادية، التي لأجزائها، في أن تترتَّب مراتبها، فإن اختل منها جزء كان هو المُرفدَ له بما يزيل عنه اختلاله[29].
من هذا المنطلق، يعدُّ الرئيس الفاضل عماد تأسيس مشروعيَّة العقل في مجتمع الملَّة؛ لأن الدور الذي يقوم به مهم جداً، باعتباره الشخص الوحيد القادر على وصل مدينة الإنسان الأرضية بملكوت الله؛ عبر اتصاله بالعقل الفعال، وقد عبر الفارابي عن هذا الدور في فقرة مركزة له في كتابه (السياسة المدنية)، عندما صرح بأن الرئيس الأول على الإطلاق هو: “الذي لا يحتاج، ولا في شيء أصلاً، أن يرأسه إنسان، بل يكون قد حصلت له العلوم والمعارف بالفعل، ولا تكون له به حاجة في شيء إلى إنسان يرشده، وتكون له قدرة على جودة إدراك شيء؛ مما ينبغي أن يعمل من الجزئيات، وقوة على جودة الإرشاد لكل من سواه إلى كل ما يُعلمه، وقدرة على استعمال كل من سبيله أن يعمل شيئاً ما في ذلك العمل الذي هو معد نحوه، وقدرة على تقدير الأعمال، وتحديدها، وتسديدها نحو السعادة، وإنما يكون ذلك في أهل الطبائع العظيمة الفائقة إذا اتصلت بالعقل الفعال، وإنما يبلغ ذلك بأن يحصل له أولاً العقل المنفعل، ثم أن يحصل له بعد ذلك العقل الذي يُسمَّى المستفاد، فبحصول المستفاد يكون الاتصال بالعقل الفعال. وما من ريب أن مثل هذا التصريح يُظهر المكانة المميزة التي يضع فيها الفارابي (الرئيس الفيلسوف)؛ فهو الشخص الذي لا يصح الاجتماع المدني من دونه؛ فالتركيز على الرئيس الأول للمدينة الفاضلة هو، في النهاية، تركيز على دور العقل في تأسيس هذه المدينة؛ لذا، فأخص خاصية تميُّزه من غيره من أعضاء مجتمعه، هي اتصاله بالعقل الفعال المفارق، ونظراً لذلك، فإن وجوده يشرط تأسيس هذه المدينة بل ويسبقها؛ إذ يجب أن يوجد هو أولاً، ثم يكون، بعد ذلك، السبب في وجود المجتمع الفاضل[30]؛ لذلك هو ليس مجرد فيلسوف فحسب، بالمعنى الحصري للكلمة؛ بل قد يصبح، أيضاً، نبيَّاً يتلقى الوحي من الله الذي يوحيه إليه بتوسط العقل الفعال ليبلغه إلى أهل مدينته الفاضلة، بذلك يعلمهم النواميس الإلهية، ويهذِّبهم، ويتواصل معهم لا عن طريق الفلسفة فحسب، بل بوساطة الملة الإلهية الفاضلة أيضاً.[31]
واضح في ما مرَّ معنا أن صاحب المدينة الفاضلة أراد أن يسوغ لمدينة يجتمع أهلها على الفضائل ومكارم الأخلاق من دون أن يكون الأمر محال في الواقع. وهو إذ يضع الخطوط الهندسيّة لطبقات المجتمع المديني الفاضل ومراتبه من الأعلى إلى الأدنى فالأولى فإنما ليظهر التفاوت الطبيعي ضمن الدائرة الكُبرى المتَّسعة للفضيلة، ثم ليدلَّ على الحقيقة أن المدينة الفاضلة ليست مجرَّد “يوتيوبا” خارج الزمان والمكان على النسق الأفلاطوني. بل هي على نحو التعيُّن مدينية مسدَّدة ومؤيَّدة بعقيدة الإسلام وما أنزل الله تعالى إلى الرسول(ص) عبر طريق الوحي. على هذا النحو سنجد كيف أن نظرية التفكير الفارابية ستفضي إلى الجمع بين مرتكز جمهورية أفلاطون بصدد الفيلسوف الملك وبين التصوُّر الإسلامي للنبيِّ، “النذير” والولي كزعيم ديني ومخلِّص دنيوي في آن…
[1] – الحوراني، راتب – هيغل والفارابي – دراسة مقارنة في التصوف الفلسفي – دار الفارابي – ط 1 -2012 – ص 242.
[2] – “حي بن يقظان”- هي قصة من أبرز كلاسيكيات الأدب الصوفي، جمع فيها ابن طفيل بين الفلسفة والدين والتربية الأخلاقية، وتستظهر نموذجاً معرفياً جامعاً لمثلَّث الله والكون والإنسان. وقد جرت كتابتها تحت العنوان نفسه من جانب ابن سينا وشهاب الدين السهروردي، في حين أعاد ابن النفيس كتابتها على نحو يناسب معتقده الفلسفي، فأخرجها تحت عنوان “فاضل بن ناطق”(بتصرُّف من الكاتب).
1 – “كتاب الحروف” من أهم تأليفات الفارابي، ويعتبر بحثاً في الفلسفة الأولى.
2 – المصدر نفسه – ص 194.
3 – سعدين، آرثور وسليم توفيق- الفلسفة الدينية الإسلامية – ط1- دار الفارابي – بيروت 1994 – ص 13.
1– العاتي، إبراهيم – إشكاليَّة المنهج في دراسة الفلسفة الإسلاميَّة – دار الهادي – بيروت – 2003 – ص: 109.
2– المصدر نفسه – ص: 109.
3 – العاتي، إبراهيم – المصدر نفسه – ص: 111.
[3]– سورة الحجرات – الآية 13.
[4] – للمزيد من البيان حول الرؤية الفارابية، أنظر أيضاً كتاب البروفسور إبراهيم العاتي- الإنسان في الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابي- ط1- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1993.
[5]– المصدر نفسه – ص: 112.
[6]– الفارابي، أبو نصر – آراء اهل المدينة الفاضلة – المصدر نفسه – ص 122.
[7] – آراء أهل المدينة الفاضلة – المصدر نفسه – ص 123.
[8] – المصدر نفسه – ص 17.
[9] – الفارابي، أبو نصر – آراء أهل المدينة الفاضلة – ص 19.
[10] – آراء أهل المدينة الفاضلة – المصدر نفسه – ص 122-123.
[11] – المصدر نفسه – ص 124.
[12] – راجع كتاب الفارابي “فصول منتزعة” – تحقيق: عفيف فوزي ومتري النجار – ط2- دار المشرق- بيروت 1982 – ص 11-12.
[13] – المصدر نفسه- ص 13.
[14] – في الفصل الذي يلي، سنأتي على تفصيل وشرح أطروحة السفر الرابع لصدر الدين الشيرازي التي وردت في كتابه “الحكمة المتعالية” في الأسفار العقليَّة الأربعة.
[15] – الفارابي- السياسة المدنية – تحقيق: فوزي متري النجار – دار المشرق- بيروت 2014- ص 15.
[16] – الفارابي – السياسة المدنية – مصدر سابق – ص 17.
[17]– راجع: الجابري، محمد عابد – العقل السياسي العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت 2000 – ص 355.
[18] – المصدر نفسه – ص 356.
[19] – الفارابي – آراء أهل المدينة الفاضلة – نفسه – ص 22.
[20] – الجابري، محمد عابد، نحن والتراث – مصدر سابق – ص 72-73.
[21] – الجابري – المصدر نفسه – ص 78.
[22]– ابن مسكويه، تهذي الأخلاق وتطهير الأعراق، ترجمه إلى الفرنسية وقدم له وعلق عليه محمد أركون، دمشق، 1969، صفحة 45.
[23] – الفارابي- آراء أهل المدينة الفاضلة – سبق ذكره – ص 99.
[24] – الجابري، محمد عابد – نحن والتراث – قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي – المركز الثقافي العربي – ط 6- الرباط – بيروت – 1993 – ص 75.
[25] – الجابري – نفسه – ص 104.
[26]– آراء أهل المدينة الفاضلة – مصدر سابق – ص 105.
[27] – الفارابي – آراء أهل المدينة الفاضلة – المصدر نفسه – ص 16-17.
[28]– أخدوش، الحسين – تأسيس معقوليَّة الإيمان في فلسفة الفارابي المدنية – دراسة ضمن كتاب: “الإيمان في الفلسفة والتصوُّف الإسلاميين- إشراف: نادر الحمامي – منشورات مؤمنون بلا حدود – 2016- ص 82.
[29]– الفارابي: آراء أهل المدينة الفاضلة، تقديم وتعليق: ألبير نصري نادر- ط4 – دار المشرق- بيروت – 1986- ص 18.، ص 120.
[30]– الفارابي، أبو نصر- آراء أهل المدينة الفاضلة، مصدر سابق- ص 120.
[31]– أخدوش، الحسين – مصدر سابق – ص84.