أرسطو وتأملات في معنى الصداقة
أرسطو وتأملات في معنى الصداقة:
بين المنفعة والمتعة والفضيلة
جميل سالم
الصداقة، عند الفيلسوف أرسطو، ليست مجرد علاقة اجتماعية عابرة، بل هي حالة إنسانية جوهرية تعكس طبيعة الإنسان ككائن اجتماعي يسعى للخير والاكتمال. في كتابه “الأخلاق النيقوماخية”، يميز أرسطو بين ثلاثة أنواع من الصداقة، لكل منها أساسه وهدفه ومكانته في حياة البشر.
–1 صداقة المنفعة
هي تلك الصداقة التي تنشأ بين الأفراد بناءً على احتياج مشترك، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق منفعة شخصية من الآخر. هذا النوع من الصداقة يشبه إلى حد كبير العلاقة التجارية: فهي قائمة على تبادل المصالح، وتنتهي بمجرد انتهاء الحاجة.
على سبيل المثال، يمكن أن تكون العلاقة بين زميلين في العمل من هذا النوع، حيث يسعى كل منهما لدعم الآخر لتحقيق أهداف مهنية، لكنها قد تنتهي بمجرد تغير الوظائف أو الظروف.
2 – صداقة المتعة
هذه الصداقة تتأسس على الاستمتاع المتبادل، وهي شائعة بين الشباب، حيث يسود الانجذاب إلى المتعة والمرح. إنها صداقة قصيرة الأمد، لأنها تعتمد على المشاعر العابرة أو التجارب المشتركة، مثل ممارسة هواية أو الاستمتاع برفقة من يشاركنا الاهتمامات.
تخيل مجموعة من الأصدقاء الذين يجتمعون بانتظام لممارسة الرياضة أو مشاهدة الأفلام. حين يتغير السياق أو تقل المتعة، قد تتلاشى هذه الصداقة.
3 – صداقة الفضيلة
هي أسمى أنواع الصداقة وأكثرها ندرة، حيث تنبع من تقدير الفضائل الأخلاقية والبحث عن الخير المتبادل. في هذه الصداقة، يرى الأصدقاء في بعضهم صورة لما يمكن أن يكون عليه الإنسان في أبهى حالاته. إنها صداقة تقوم على الإخلاص والتفاني، حيث لا يسعى الطرفان إلى منفعة أو متعة، بل إلى دعم بعضهما البعض في تحقيق الفضيلة والعيش وفق قيم سامية.
يمكن أن نرى هذا النوع من الصداقة بين اثنين يتشاركان رحلة نمو روحي أو فكري عميق، مثل علاقة سقراط بتلاميذه، حيث كان يسعى لتهذيب عقولهم وتطويرهم أخلاقياً وفكرياً.
أرسطو، بفلسفته، يضعنا أمام مرآة لأنفسنا: ما نوع الصداقات التي نحياها؟ وهل نبحث عن الفضيلة فمن نختار كاصدقاء؟ الصداقة، في جوهرها، ليست مجرد اختيار عابر، بل انعكاس لما نؤمن به وما نسعى لتحقيقه في حياتنا.
الصديق الحق، في رؤية أرسطو، ليس فقط من يرافقك في الطريق، بل من يساعدك أن تصبح أفضل نسخة من نفسك.