فلسفة وميتافيزيقا

أفلاطون …وقواعد الأخلاق السبعة

أفلاطون …وقواعد الأخلاق السبعة

 

 

 

*المكان: أمام أكاديمية أثينا

 

ما الذي تفعله يا أفلاطون؟ أرى هيكلاً عجيباً لم أرَ مثله في حياتي. وهو ليس بهيكلٍ ولا بناء. إنه يشبه الفكر بتكوينه. والبناء بهندسته. والبلور بشفافيته.

أفلاطون:لقد أمضيت عمري أبني فيه، لكن لم يدخله إلا القليل من الناس الذين أعجبهم شكله. لكن لما دخل فيه ذلك القليل، خرج أكثرهم منه مسرعين مذعورين خائفين.

أنا: وصفٌ غريبٌ يا أفلاطون. ما الذي جرى لهم ؟ ولماذا فعلوا ذلك؟

أفلاطون: لقد رأوا قواعد الأخلاق العميقة في داخله عن كثب. ولم تتناسب مع أفكارهم السطحية. هذا فقط. لهذا خرجوا مذعورين.

أنا: هل تسمح لي يا أفلاطون أن أدخله وألقي نظرة في داخله على تلك القواعد؟

أفلاطون: لم أمنع يوماً أيَّ شخص من دخوله. فهذا المكان هو قِبلة العارفين ومحجة الواردين. فمن ألقى سلاح الجهل خارجاً ودخله كان آمناً من الخوف والجهل.سعيداً بما داخلَ نفسه من الأمل.

أنا: أخبرني يا أفلاطون ما هي تلك القواعد السبع التي قام عليها ذلك البناء الرائع؟

أفلاطون: هي قواعد الحياة الفاضلة. والمملكة الأبدية التي لا يمحوها الزمن. هي المدينة الفاضلة التي رفضها أكثر الناس الآن،وسوف يتمسَّكون برفضهم لها فيما بعد.

لقد شاهدوا فيها ما صوَّرته لهم عقولهم المظلمة وأفكارهم الخبيثة. هؤلاء هم الأجداد الأقدمين. وسوف يكونون أحفاداً للجهلِ عن حقٍّ فيما بعد.

أنا: إذاً ما هي الحقيقة يا أفلاطون؟ وكيف تحيا إلى الأبد؟

أفلاطون: اعلم جيداً أنه عند حصولك على الحقيقة سوف ترمي من فكرك كل الأفكار التي كنت متمسكاً بها. لأنك بالحقيقة حصلت على ما تريد.

هذه الحقيقة سوف تحصل عليها عندما تدخل ذلك البناء مقتنعاً بكل ما فيه. وعاملاً به.

هذا البناء يدعى بناء الفضيلة. ومن يسكن فيه يحصل على السعادة الأبدية. تلك السعادة التي تُطلب لذاتها لا لغيرها.

أنا: حسن… هي بالتأكيد ليس مجرد كلمات. وأنا على يقين يا أفلاطون. إنك لا تنطق عن الهوى. بل نطقك عن حقٍّ بالمعرفة ممزوج.وقولك عن صدقٍّ بالحقيقة مدروج.

أفلاطون: بناء الفضيلة في المجتمع أمر ليس بالسهل. لكن إن أردت أن تفعل ذلك فإنك تحتاج إلى مجتمع متجانس بالفكرِ متوازٍ بالمنطق. خالٍ من الطبقات إلا ما كان فيه الضرورة لوجودها كالمهن القدرية التي لا يمكن تجاوزها.

هناك الكثير من الأمراض المتواجدة في كل المجتمعات. ولن يكون هناك طبيب حقيقي لها إلا الفضيلة فقط.

أنا: حدثني يا أفلاطون عن كثب عن أعمدة الفضيلة السبعة.

أفلاطون: هل يستطيع أي شخص أن يدخل كهفاً مظلماً من دون أن يكون معه القليل من النور؟

أنا: بالتأكيد لا… حتى أنه لن يجرؤ على ذلك.

أفلاطون: النور إذاً هو المقدمة الصحيحة لحصول ذلك. وأقصد به نور الفضيلة.

لا يمكن أن تقوم الفضيلة إلا على أعمدة سبعة. حيث يقوم كل عمود من تلك الأعمدة بعمله الخاص به. ولا يمكن الاستغناء عن أحدها. وإلا كانت الفضيلة ناقصة التكوين.

الفضيلة تشبه ألوان الطيف تماماً.. ذلك هو النور الأبيض الشفاف الذي أتحدث عنه. لا يمكن للفضيلة الحقيقة إلا أن تنتج عن اجتماع تلك الألوان الجميلة السبعة.

الألوان السبعة للفضيلة هي (الصدق. الحق. العدل. العفة. الشجاعة. المحبة. الحكمة.)

هذه الأطياف السبعة للفضيلة. هي الأساس المتين للمدينة الحقيقية الفاضلة.

عندما تتحدث عن الصدق

سوف تختفي النوايا السيئة سريعاً من كلِّ الأمكنةِ. فما معنى أن يكون الصدق هو سيد الأخلاق؟

أنا: نعم الصدق سيد الأخلاق. لأن المقدمات الصادقة سوف يكون لها نتائج صادقة بكل تأكيد.

أفلاطون: تخيل أن تزرع الصدق في عقل الطفل القمري. كيف ستكون النتائج؟. تلك مقدمة صحيحة. إذاً سوف يصبح شاباً صادقاً خلوقاً. لا يستطيع فعل الشر. سوف يحيا بصدقٍ أبديٍّ. ويموت بصدقٍ. هذا هو الإنسان الفاضل. ونحن مازلنا بالطيف الأول للفضيلة. وهذه المقدمة التي لا يمكن البداية ببناء المجتمع الصحيح إلا بها أولاً.

أنا: نعم هذا صحيح.

أفلاطون: عندما نتحدث عن الحق.

سوف تظهر الحقيقة بكل تأكيد في جميع الأمكنة أيضاً.

تخيل أن تدخل مجتمعاً يكون الحق فيه سيد الموقف. كيف سيكون الوضع؟

أنا: سيكون مجتمعاً حقيقياً لا زيف فيه… هذا يعني أن هناك سعادة حقيقية.

أفلاطون: عندما نتحدث عن العدل.

سوف يتلاشى الظلم من جميع الأمكنة. فتخيل أن تحيا بمجتمعٍ لا ظلم فيه. كيف ترى الإنسان فيه؟

أنا: سوف أرى إنساناً حرَّاً. لا تقيِّده الأهواء والمصالح. ولا تحجبه المادة عن معرفة الروح.

أفلاطون: عندما نتحدث عن العفة.

سوف تختفي جميع التعديات. وتتلاشى جميع الآلام. سوف يحصل الجميع على ما يريد بكل سهولة.

تخيل أن تدخل مجتمعاً تكون العفة فيه سيدة الموقف. كيف سيكون الحال فيه؟

أنا: سوف يكون مجتمعاً ناجحاً بكل المقاييس . ذلك لأنَّ العفة سجن العداوة وقيد الكراهية المتين.

أفلاطون: عندما نتحدث عن الشجاعة، ماذا يمكن أن نقول؟

ألا نقول بكل ثقةٍ، أنَّ المجتمع الذي يمتلك أفراده الشجاعة. هو مجتمع متفوق على أقرانه. حيث لا يجرؤ مجتمع آخر على مواجهته أو التعدي عليه؟

أنا: نعم يا أفلاطون. كل ما تقوله صحيح بالمطلق.

أفلاطون: عندما نتحدث عن المحبة. هل تدرك ما معنى انتشار المحبة بين أفراد المجتمع؟ سوف تختفي الكراهية تماماً.

أنا: المحبة تبني المجتمع المثالي.

أفلاطون: عندما نختم حديثنا بالحديث عن الحكمة. إنها الطيف السابع والأخير. إنها أساس الحياة وسُلَّم النجاة.

الحكمة هي الأساس المتين. ما أن تعامل أفراد المجتمع بها. حتى انتصرت نفوسهم على جميع الأهواء. وصفت. ولحقت بعالمها المثالي.

أنا: إنَّ المجتمع الصادق الذي يتعامل بالحق والعدل والمحبة والشجاعة والعفة. من السهل عليه أن تكون الحكمة تاجاً على رؤوس أفراده.

لكن لم تقل لي يا أفلاطون. كيف ستفعل كل ذلك بالمجتمع؟

إذا كان أكثر الناس يولّون فراراً من ذلك البناء الرائع.

أفلاطون: من الطبيعي أن يحدث ذلك. لأن المرحلة القمرية لهؤلاء الأفراد مدمرة بالكامل. إننا لا نستطيع أن نقوِّم شجرة معوجَّةً عندما تكبر. هذا الأمر يحتاج إلى العمل عليه مبكراً جدا.

أنا: نعم… المرحلة القمرية، هي مرحلة بناء الطفل بالشكل المثالي.

أفلاطون: هذا هو البناء الذي سألتني عنه. هو مدرسة المجتمع. والمنقذ له من الهلاك.

أنا: بكل تأكيد. والفضيلة هي المقصد الأرفع والجوهرة الألمع. التي يجب أن يمتلكها كل فرد في المجتمع. إن أرادوا أن يكونوا نواة المجتمع المثالي.

فبعد امتلاك الفضيلة، لا يمكن أن يكون بعدها كلام.

أفلاطون: نعم هذا صحيح. فقد…انتهى الكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى