
متاهة الحقيقة في النَّسَقَ الأخلاقيِّ الكانطيّ استقراء نقديّ
متاهة الحقيقة في النَّسَقَ الأخلاقيِّ الكانطيّ
استقراء نقديّ
إدريس هاني
مفكِّر وباحث – المملكة المغربيَّة.
ملخّص إجماليّ
لا تخفى حقيقة أنَّ الكانطيَّة أنجزت ثورةً كبرى في تاريخ الفلسفة الحديث قوامُها وضع العقلِ نفسِه أمام سؤال النَّقد؛ وبذلك صار لها الفضل في الإجهاز على ما تبقَّى من أُسُسٍ فلسفيّةٍ للّاهوت المسيحيِّ وعموم الميتافيزيقا الغربيَّة. فقد يُقال إنَّه ليس ثَمّةَ من أمْكَنَهُ فعلًا تسديد الضربة القاضية لآخر قلاع الإيمان منذ ديكارت، أكثر ممَّا قام به صاحب سؤال الأنوار وناقد العقل المحض، وقد باتت هذه القناعة راسخةً في أذهان كثيرٍ من فلاسفة القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين وإلى اليوم، بمن فيهم مؤرِّخو الفلسفة. هذا الرّأي يقع في مقابل رأيٍ آخرَ، يرى عكس ذلك تمامًا؛ يرى في المحاولة الكانطيَّة محضَ مسامحةٍ تحجب تسليمًا مضمرًا بكلِّ الأُسُس الميتافيزيقيَّة والَّلاهوتيَّة التي ناضل هذا الأخير في سبيل تقويضها. على الأقلِّ، لم يرَ نيتشه في قدوم كانط ما هو جديرٌ بإحداث التّغيير في أُسُس الفلسفة الألمانيَّة التي وَسَمها بأوصافٍ تتراوح بين الانحطاط والخداع والبَلَه.
يتساءل نيتشه عن حقيقة هذا الجديد الذي جاءت به الكانطيَّة حينما يقول: من أين ذلك الاقتناع الألمانيُّ، الذي يُسمع صداه إلى اليوم، بأنَّه بدءًا من كانط قد حدث انعطافٌ نحو شيءٍ أفضل؟
غير أنَّنا سنكتشف بعد ذلك أنَّ حتميَّة الإيمان تحقَّقت بصورةٍ أقوَى داخل الجدل الكانطيِّ نفسِه، حيث إنَّ أُولى علامات الإخفاق في تقويض الإيمان، هي عندما اْضطُرَّ كانط إلى إحداث ضرب من الشرخ الوظيفيِّ بين عقلَيْن، كان أحرى أن يُظهرا تطوُّح المحاولة الكانطيَّة في تهريب مسألة الإيمان من حاقِّ العقل النظريِّ إلى هامش العقل العمليِّ، وهو الهامش الذي يصبح بموجب إطلاقه مركزًا يهمِّش العقل النظريَّ بوصفه، من دون حدِّ تعقُّلِ الأشياء، مطلقًا.
* * *
مفردات مفتاحيَّة: كانط – الَّلاهوت المسيحيّ – الميتافيزيقا الغربيَّة – ديكارت – الدين والأخلاق- الدليل الأنطولوجيّ – الدليل الأخلاقيّ.




