دراسات وبحوث معمقة

مفهومُ الدَّازاين عند مارتن هايدغر  

مفهومُ الدَّازاين عند مارتن هايدغر

 

                                                                     سالم يفوت

 

 

يقول هايدغر : ” إنّ وجود الإنسان مبنيٌّ على الدّازاين” ماذا يعني ذلك؟ يقول : “إن الدّازاين لا يُفيد عندي معنىً مرادفاً للكائن الإنسي، إنّما يفيد أمراً مخالفاً لِما اعتاد نيتشه والتراث الفلسفي على طرحه من خلال لفظ “الوجود البشري”. فما يدلُّ عليه الدّازاين لم يحدث أن سُبِق إلى مقصوده أبداً في تاريخ الفلسفة”.

إن الدّازاين ليس مُعطى للإنسان هكذا بالولادة، بل إنّه شيءٌ مُكتَسب، أي أن بإمكان الإنسان أن يصير دازايناً إن هو أراد، وذلك حين يجعل من ذاته مشروعاً، وكائناً منفتِحاً على كينونته. فالدّازاين لا يقول : “ها أنذا ” أو “هو ذا أنا موجود هنا” وإنّما بالأحرى إنّه “يُوجَد هناك”.

والحال أن هايدغر اعترف أن لجوءه لاستحداث لفظ “الدّازاين” لربما كان أمراً متسرِّعاً، غير أنّه أردف أن الحاجة دعته لهذا، ذلك أن اللفظ كان يفيد المعنى الذي استخدمه كانط، أي مرادفاً لمعنى “الوجود”، أي بما يُفيد معنى “الوجود العياني” أو “الآنيّة”، فكان أن قابل عندهم “الماهية” بما هي الوجود الإمكاني أو الاعتباري للشيء، لا وجوده المتحقِّق أو العياني، وهكذا قابلوا الآنيّة بالماهيّة، فجاء هايدغر ليخلِّص الموجود البشري من تلك المُقابلة، فاستحدث لفظ “الدّازاين” لا ليدل به إلى الوجود المتعيّن ( الآنيّة ) على نحو وجود أشياء الطبيعة، بل ليدلّ به إلى الكائن ( الإنسان ) من حيث أن له كينونته الخاصّة.

– وهكذا فإنّ مفهوم الدّازاين قد جعل من الإنسان انفتاحاً

لا ذاتاً مُنغلقة متحيّزة، بل إن الانغلاق والتحيّز لا قيام له

أصلاً إلا باعتبار “الانفتاح” و “الانشراح”. فالأصل في الإنسان أن يكون “فتحة” “فسحة” هي مسكن الكينونة وموطنها. ومعنى الانفتاح أي الانهمام بالأشياء، فالإنسان هو الكائن الذي من شأنه أن يهتم بالأشياء وكينونتها. وهو اهتمام لا يقوم على الترّضي والإرادة، وإنما هو ما يتوجّه إلى الإنسان فيخاطبه من أعماق كيانه. فإذا ما وُجِد الإنسان وُجِد الانهمام، وذلك لا بإرادة منه واهتمام بل بكون الانهمام هِبة للإنسان. هذا مع سابق العلم أن في الانهمام معنى “الاهتمام” ومعنى “الهمّ”.

______________

نقد الحداثة في فكر هايدغر، محمد الشيخ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى