
ندوة في مؤسسة بيت الحكمة: “سبينوزا بين رحابة المعنى وتعدد التأويل”
ندوة في مؤسسة بيت الحكمة:
“سبينوزا بين رحابة المعنى وتعدد التأويل“
تنظم مؤسسة بيت الحكمة للدراسات والأبحاث ندوة تحت عنوان وذلك الساعة الخامسة والنصف مساء يوم الجمعة 28 فبراير الجاري. يشارك في الندوة ثلاثة من كبار السبينوزيين العرب وهم: الدكتور جلال الدين السعيد أستاذ تاريخ الفلسفة الغربية بجامعة تونس ومترجم أعمال سبينوزا إلى اللغة العربية.و الدكتور أحمد العلمي أستاذ الفلسفة بجامعة إبن طفيل – القنيطرة، والباحث المتخصص في فلسفة سبينوزا. والدكتور أشرف منصور أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة ورئيس قسم الفلسفة بجامعة الإسكندرية ومؤلف كتب عدة حول سبينوزا .
النص التأطيري للندوة :
استحوذ سبينوزا على مكانة فريدة في تاريخ الفلسفة ، وأسست طروحاته لمنعرجات متأصلة في تشكّل الدرس الفلسفي الحديث من الأنطلوجيا إلى الابستيمولوجيا فضلا عن الإشكال الأخلاقي والسياسي. ولعل المزية التي تمتع بها سبينوزا دون اقرانه، تتحدد في تنوع مصادره الفلسفية وتمايز التأويلات المنبثقة عن نصوصه الأساسية. فمن الرشدية إلى الميمونية وصولا إلى ديكارت والمذاهب البروتسانتية بدا متن سبينوزا منفلتا من عقال التصنيف الأحادي، وظهر النص السبينوزي كما لو كان المنتمي الغريب، الذي يستحضر اصطلاحات المدرسة ويعيد تبيئتها ضمن ورشة مفهومية صارمة، بالإضافة إلى منهج هندسي منضبط.
أثارت أفكار سبينوزا لغزا محيرا بالنسبة لمعاصريه وقرائه اللاحقين، فقد أدهشت حدة أفكاره الراديكالية هوبز تماما كما أثارت حفيظة ليبنيز الذي كتب رسالة في دحض السبينوزية(réfutation de Spinoza) وبتنا اليوم نعرف بفضل أعمال مؤرخ التنوير جوناثان إزرائيل كيف ظهر سبينوزا بوصفه الأب الروحي للحركة الموسوعية الفرنسية، وفي السياق الألماني ظهرت المعضلة السبينوزية كمحفز رئيسي لانبثاق المثالية الألمانية. وبذلك باتت المثالية الألمانية هي السبينوزية التي تعمل في حقل فلسفة كانط النقدية، كما يعلن ريتشارد كرونر.
وفي السياق الفرنسي المتأخر كان أميل سيسيه و فيكتور دلبوز من أوائل الذين اعتنوا بتبْيئِة سبينوزا في النطاق الأكاديمي الفرنسي. وتوالت بعد ذلك الترجمات والقراءات الكلاسيكية لنص سبينوزا، وصولا إلى دولوز الذي شيّد بساط المحايثة وفق استيعابية أصيلة تفرض نفسها بمعزل عن مقولات التصنيف الديكارتي وكان جليا بالنسبة لدولوز أنه لا ينبغي لنا بحال من الأحوال أن نعتقد أن سبينوزا في فترته شبه الأستاذية كان يوما ما ديكارتيا فالرسالة الموجزة نفسها هي نظر لا يتوسل بالديكارتية،إلا بوصفها وسيلة ليس لنفي التراث بل لتشذيبه وتهذيبه حتى يخرج منه شيء جديد لا ينتمي في الحقيقة إلا لسبينوزا.
وفي السياق العربي وعلى الرغم بأن الاهتمام بالحالة السبينوزية جاء متأخرا بالمقارنة مع فلاسفة مثل كانط وديكارت ونيتشه، إلا أن بوادر التلاقي مع سبينوزا ظلت حاضرة دون انغماس فعلي قبل نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي فكان مقال الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود في مجلة الرسالة 1933 ضمن بواكير الأعمال العربية حول سبينوزا، وتوالت بعد ذلك الترجمات والقراءات العربية لفيلسوف لاهاي.
يهمنا في هذه الورقة المرجعية للندوة أن نحدد مجموعة من السياقات التي سيدور حولها النقاش وقد ارتأينا التركيز على ثلاثة إشكالات رئيسية بوصفها حدوسا مبدئية لتناول مفكر بحجم سبينوزا.
يتعلق الإشكال الأول بمعضلة المنهج في النسق السبينوزي وهي معضلة تتجاوز حدود النسق السبينوزي لتفتح تساؤلا ملغزا عن علاقة الرياضيات بالفلسفة وإمكانية استيعاب الصرامة الرياضية للقول الفلسفي.؟
وضمن هذه المعضلة أيضا يفرض تساؤل آخر نفسه بقوة عن اصطناع الكتابة الرياضية لبث أفكار راديكالية ضمن ما سماه ليو شتراوس بفن الكتابة في زمن الاضطهاد؟
أما الإشكال الثاني فيتعلق بلغز سبينوزا نفسه وكيف استوعب النص السبينوزي مجموعة من التأويلات المتصارعة بلغت حد التناقض في كثير من الأحيان، وتمايزت من التصوف الإلهي إلى الفلسفة المادية .
وأخيرًا سيجري الحديث عن التلقي السبينوزي ضمن السياق العربي وهل كان حظ سبينوزا كغيره من الفلاسفة الغربيين وبأي معنى يمكن الحديث عن سبينوزية عربية ؟