
فلسفة وميتافيزيقا
الغزالي و ابن رشد بين الهجومِ والدّفاعِ عن الفلسفة
الغزالي و ابن رشد بين الهجومِ والدّفاعِ عن الفلسفة
(مُحاكمة مُتخيَّلة بين طرفين يشكلان قضية صراع شديد في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية)
لنتخيل معاً كلاً من الغزالي وابن رشد يمثُلان بين يدي قاضي المحكمة ، الغزالي بموقف الهجوم ، و ابن رشد بموقف الدّفاع ، و المُتّهم هو : الفلسفة !
- الغزالي : سيدي القاضي : إن ذاك الذي أمامك ورفاقه من الفلاسفة يظنون بفلسفتهم أن ليس للعقل حدوداً ، في حين أنه من المؤكد أن له حدوداً يقف عندها ، والدليل أن الأنبياء قد جاؤوا بشيء يعجز العقل عن إدراكه. ( يقصد : المعجزة ) وقولهم أن ليس للعقل حدود ، يتنافى مع ما جاء في الشرع. فكيف يردّ صاحبنا ؟
- ابن رشد : سيدي القاضي : نحن لم نقل أن ليس للعقل حدوداً ، وإنما نقول: إن الفلسفة تفحص عن كل ما جاء به الشرع ، فإن أدركته استوى الإدراكان ، وكان ذلك أتمُّ في المعرفة ، وإن لم تدركه أعلنت بقصور العقل الإنساني ، المسألة بسيطة جدّاً.
- الغزالي : دعك من ذلك ؛ وقل لي : كيف تقولون أن العالم قديم ، أليس في ذلك شركاً بالله الذي هو وحده القديم ، وكل ماعداه مُحدَث ؟! كيف لشيء أن يشارك الله في صفة القِدَم ؟
- القاضي : هدووووووء ! ما تعليقك يا فيلسوف زمانك ؟
- ابن رشد : سيدي ؛ إن الفلاسفة وصلوا بالتفكير والنظر العقلي إلى أن العالم لا أول له ، كما أن خالق هذا العالم لا أول له أيضاً ، وإن هذا العالم مُحتاج في وجوده إلى الله ، فالعالم مُحدَث، واسم الحدوث أولى به من اسم القِدم ، وإنما سمَّت الحكماء العالم ( قديماً ) تحفّظاً من المُحدَث الذي هو ( من شيء ) وفي زمان ، وبعد العدم.
- الغزالي : و ماقولك – سيدي – فيمن يعتقد بأن لكل سبب مسبِّب ، في حين أنه ليس بالضرورة أن يكون ثمّة علاقة بين النار والاحتراق مثلاً ، فالنار من خلق الله ، والاحتراق حدث بأمر من الله. فالقول بالسببية على ما أعتقد يُنقص من قدرة الخالق عز وجل ، وتعالى الله على ما يقولون.
- ابن رشد : إن إنكار وجود الأسباب الفاعلة لهو سفسطة بعينها ، وإن صاحبنا إما أنّه يكذب على نفسه ، أو أنه عاجز عن التخلص من شبهة سفسطائية عُرضت له. فالعقل ليس شيئاً أكثر من إدراك الموجودات بأسبابها ، والربط بين السبب والمسبِّب لهو أمر منطقي من شغل العقل، وأن الذهاب إلى نفي الرابطة الضرورية بين الأشياء وأسبابها لهو رفعٌ للعقل ، ومبِطلٌ له.
( تعلو الأصوات في المحكمة بين مؤيد ومعارض ).
القاضي : هدوووووء ، رُفِعَت الجلسة !
______________
*المصدر: “كهف الفلسفة”.