دراسات وبحوث معمقة

نظام الخطاب لـ ميشيل فوكو

نظام الخطاب لـ ميشيل فوكو

 

 

يبدو أن من المفترض ان تكون قراءة هذا الكتاب قبل قراءة مؤلفات فوكو وربما بعد قراءة كتبه ، لا اعلم على وجه الدقة، والسبب هو لانه يلخص افكار فوكو بشكل دقيق وفيه يذكر فوكو مثالب كتبه السابقة مع التفسيرات …

هنا نجد نظام الخطاب ونسق فوكو لبرنارد ليفي والحقيقة والسلطة- حوار مع فوكو ودلالات الجنون في فكر فوكو بقلم جان لاكروا … وليس نظام الخطاب الا جزء من هذا الكتاب وهو محاظرة افتتاحية في الكوليج دو فرانس سنة ١٩٧٠م.

 

  • يؤكد فوكو في هذا الجزء – نظام الخطاب- على اهمية النظر في ممارسات انظمة الفكر القائمة والمؤسسة من خلال دراسة الخطاب دراسة حفرية اركيولوجية تتخطي البنيوية وتغوص لاعماق البنى التراتبية من خلال دراسة الفروع المعرفية وملاحظة دور الشرطة الفكرية والقهر والقمع والاستبداد الذي يتجلى من خلال فك طلاسم الخطاب اللغوية.فالدلالة والاصالة والوحدة والابداع حكمت الانساق التقليدية وجعلت السيطرة على العالم طوع امر صناع الخطاب ويتحدد ذلك بالنسبة لمن ينظر في ابستمولوجية الخطاب من خلال دراسة “المنع” ,لانه عبارة عن تسييج مرن ينطوي على رغبة شمولية ذات مرتكزات غائرة في عمق البنية العقلية للمجتمعات. فهذا هو وضعيpositive مهما كان التاصيل لامكانيات حدوثه لان ,صور الادب والفكر ماهي الا منعكسات لبنية قائمة بشكل لا يمكن ، كما يرى الانسان العادي، فصله وتفكيك ماهيته وارجاعها لاصلها. اذن ان انظمة الخطاب التي تحكم تلك البنى هي مقنّعة بشكل تطريزي ولكن لايغامر الكثير من الناس في البحث في تلك الممارسات ولتكن ممارسات الطب والطب النفسي والسجون من خلال حلقة “المعرفة والسلطة”. يبدو ان فوكو مهووس بالطب النفسي والجنون والسجون والسلطة لانه يرى ان ذلك يختصر اشواطاً كبيرة من الدراسة لفهم انظمة الفكر الانساني.

 

  • يحاول برنارد ليفي في مقال “نسق فوكو” ان يوضح فهمه لفوكو من خلال دراسة الخطاب والملفوظيات او المنطوقات ويعطينا تعريف للابستيمية كبنية ضمنية للفكر اي الارضية التي تقوم عليها معرفة عصر معين ومجاله المرئي. يتحول لاركيولوجيا الانا même کتضاريس لواقعنا ومرتكز حضورنا كما في كتاب الكلمات والاشياء لدراسة اجزاء متباعدة من الطبيعة الانسانية. يوضح ليفي بشكل سلس ورشيق لماذا فوكو ليس بنيوياً من خلال التركيز على حفريات المعرفة، وان تلك سترة يحاولون دوما اجباره على ارتدائها ولكن، الابستيمية توضح بشكل دقيق لماذا فوكو مفارق للبنيوية واسطوانة القولبة المعهودة. ينهي ليفي المقال بعبارة:

السلطة والمعرفة واقعان متجانسان: فالفيلسوف عندما يتحدث يحرج بحديثه نظام العالم.

 

  • حوار مع فوكو-الحقيقة والسلطة- المحاور: م.فونتانا ، ويمكنني ان اجزم بشكل صريح ان فوكو هنا يوضح ما لا نقرأه في كتبه وكتب غيره ويفسر اين مواطن الثغرات في فكره واسبابها وطرق تجاوزها. يبرز هذا الحوار الاتجاه الشيوعي الفرنسي ودوره في محاول السيطرة على منصة الخطاب الثقافي في اوربا. مثلا لم يخضع الشيوعيون تحليلاتهم للطب النفسي خارج نسق التصور البافلوفي، ويؤكد ان المسائل الطبية لم تكن سياسة مشرفة. هكذا حاول الماركسيون زج افكارهم في النسق الغربي وتسويقها اعلامياً ولكن فوكو كان يخضع افكاره للتحليل العقلاني الحفروي وينظر للمثقف الشيوعي بدهشة وهو يتغاضى عن سجن الغولاق وسياسة التسييج التاديبي لبني البشر. وفق اي مبدأ يفعل السوفيت ما يفعل؟ ان هذا الاطار الشمولي سمح للمثقف ان يكون شمولياً وهو خاص … مثلا عالم الذرة يتصدر الخطاب العالمي وهو مجرد مثقف خاص بعلم الذرة وذلك بسبب التهديد النووي! عجباً فهل يمكن ان نقارنه بمن يدافع عن الانسان والكرامة والحرية والقانون والعدل كروسو وفولتير وزولا وغيرهم؟ لذلك يرى ان الحمق والجنون والطب والعيادة والسجن دراسات تقتصد و تختصر علينا معرفة مايدور بحق من ممارسات خفية في العالم. هل هؤلاء كداروين؟ الاشتراكيون الذين اعتنقوا داروين! ذلك الغموض في تحديد التوجهات وجعل النسبي مطلق وجعل العادي نموذجي والسيطرة من خلال الخطاب المؤدلج على الجامعة والجيش و وسائل التواصل وغيرها؟ …لاول مرة ربما يحاول فوكو اخذ النسق الانجلو-امريكي التحليلي لمعرفة حقيقة الحقيقة وراء ما يدور حول محطات ثابتة في مراكز الوعي الانساني. يذيل كلامه بعبارة:

ان المسألة السياسية اجمالا ليست هي الخطأ او الوهم او الوعي المستلب او الايديولوجيا، انها الحقيقة ذاتها.

 

4- دلالات الجنون عند فوكو بقلم جان لاكروا

هنا نقرأ دلالات اللاوعي الذي ينتظرنا في الظلمة ليقفز ويحقق ذاته الرغبوية ،وما النقد الحفروي الا معرفة المعطيات من خلال التوسل بالبنية الضمنية للمعرفة كما فعل نيتشة بجينيالوجيته من خلال تجاوز الفلسفات المدجنة … لكن لاكروا يركز اكثر من غيره على اهمية اللغة وتدفقها وسيلانها في نص فوكو وذلك لان الخطاب هو مادة لسانية تُدرس من عدة محاور. لكن جدير بالذكر ان اللغة لها نسقها الزئبقي كما هو حال الحلم الذي يعتبره فوكو وسيلة للمعرفة ايضا لانه بين مانعرفه وما لم نمارسه وما يقع علينا. يتحول ذلك معطياتياً ويسحب على الطب النفسي والسجون وغيرها لان فوكو كما اسلفت مهووساً بهذه المواضيع لانه يهتم بالمسائل التمثيلية لمراقبة الناس في العصر الكلاسيكي وماورّثه، ويشدد فوكو على ان السلطة والمعرفة مؤسس لها وليست نتاج تجريبي للعلوم بشكل او بآخر. فالطب النفسي ليس خطاب حول الحمق او الجنون وهو ليس خطاب هذياني من باب اخر. اين الجنون واين الجريمة؟ انهما في المجتمع ولذلك علينا دراسة انساق المجتمع ابستمولوجياً ولا مكان لسيطرة لوغوس المجتمع ككل او روح المجتمع الفعلية بقدر تحكم فئة في انظمة الخطاب، وهنا يبرز دور من يؤسس لتلك الصيغ لغرض تقسيم المجتمع لعقلاني ومجنون ومريض وسليم ومجرم وبريء …ولا يمكننا الاستناد على البنوية وحدها في معرفة مكامن الاسس للسلطة.

________________

*المصدر: مكتبة علم الاجتماع.

مراجعة: سامر العراقي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى