
فلسفة وميتافيزيقا
المرأة و الفلسفة “هل هناك فيلسوفات؟”
يبدو تاريخ الفلسفة للوهلة الأولى وكأنه حكاية ذكورية خالصة. فالأسماء التي حفظها التراث الفلسفي – من سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى ديكارت وكانط ونيتشه – جميعها أسماء رجال. هذا الحضور الطاغي جعل البعض يظن أن الفلسفة ميدان خاص بالرجال، وأن المرأة لم يكن لها أي دور يُذكر. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل غياب المرأة عن المشهد الفلسفي كان عجزًا ذاتيًا أم إقصاءً اجتماعيًا وثقافيًا؟
●نساء في قلب الفلسفة عبر العصور
رغم التعتيم، برزت أسماء نسائية أثّرت في الفكر الفلسفي بشكل مباشر أو غير مباشر:
_اليونان القديمة: ثيانو الكروتونية، أريتا القورينية، وأسباسيا الميليتية التي ألهمت أفلاطون في صياغة شخصية ديوتيما.
_الهند: الحكيمتان غارغي ومايتري في نصوص الأوبانيشاد، وقد ناقشتا قضايا الوجود والمعرفة.
_الصين: بان جاو التي تركت أثرًا في الفلسفة والتاريخ، وجينغ جيانغ التي اعتبرها كونفوشيوس من ألمع تلاميذه.
_الحضارة الإسلامية: رابعة العدوية وعائشة الباعونية، حيث تجلّى الفكر الصوفي العميق.
_العصر البيزنطي: هيباتيا الإسكندرية (370–415م)، فيلسوفة وعالمة رياضيات وفلك، اشتهرت في مدرسة الإسكندرية بتدريسها الفلسفة الأفلاطونية المحدثة. اغتيلت بطريقة مأساوية على يد متعصبين مسيحيين، لتصبح رمزًا للمرأة الفيلسوفة التي دفعت حياتها ثمنًا للفكر والعقل.
_القرون الوسطى: هيلدغارد من بينغن و كريستين دي بيزان تمثلان وجهين بارزين لريادة المرأة في الفكر الأوروبي الوسيط؛ فالأولى قديسة وفيلسوفة ألمانية جمعت بين اللاهوت والعلوم والفنون، والثانية كاتبة فرنسية إيطالية الأصل دافعت في كتابها مدينة السيدات عن مكانة المرأة وقدرتها على الإبداع. كلاهما فتح الباب مبكرًا أمام حضور نسوي واعٍ في عالم الفكر والفلسفة.
_العصر الحديث: ماري وولستونكرافت مؤسسة الفلسفة النسوية، حنة آرندت في التنظير السياسي، وسيمون دي بوفوار صاحبة “الجنس الآخر”.
●أسباب ضعف الحضور النسائي
على الرغم من هذه الأسماء، ظل حضور المرأة محدودًا مقارنة بالرجل، ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:
1. الإقصاء التاريخي: حيث حُرمت النساء من التعليم والمشاركة الحرة.
2. اختلاف الاهتمامات: انصراف الكثير من النساء نحو مجالات عملية وحياتية.
3. الجدل البيولوجي: أطروحات حول اختلاف الدماغ الذكوري والأنثوي، وإن كانت مثار جدل علمي.
4. انحسار دور الفلسفة: إذ لم تعد تحظى بالمكانة ذاتها في العصر الحديث.
5. التنشئة الاجتماعية: التي ما زالت تفرض أدوارًا تقليدية على المرأة حتى في المجتمعات المتقدمة.
….
إذن، المرأة لم تكن غائبة عن الفلسفة بقدر ما كانت مغيَّبة عن السردية الكبرى للتاريخ الفلسفي. فكلما أُتيح للنساء التعليم والحرية، أثبتن أن لهن القدرة على إنتاج الفكر الفلسفي العميق. ويبقى مستقبل حضور المرأة في الفلسفة رهنًا بمدى انفتاح المجتمعات وتقديرها لقيمة الفكر والعقل بعيدًا عن الفوارق الجندرية.