دراسات وبحوث معمقة

فلسفة التعليم الديني في الكيان الصهيوني

 

                فلسفة التعليم الديني في الكيان الصهيوني

حسام الدين فقراءة في مصادر الكراهية والعنصريَّة ضدّ العرب والفلسطينيّين

 

*د. حسام الدين فياض

 الأستاذ المساعد في قسم علم الاجتماع

 كلية الآداب في جامعة ماردين – حلب سابقًا – سوريا.

 

 

 

يقول يوري إيفانوف في كتابه: “ الصهيونية حذار! “: إن دائرة الأفكار التي يسمم بها الصهاينة عقول أطفالهم والتي يرجى منها أن تستقر في أفهامهم تبدأ عادة بالتوراة. ويؤكد أندريه شوراكي في كتابه:” دولة إسرائيل ” أن جميع اليهود يعمدون إلى الرجوع في كل مناسبة إلى الماضي الذي تضمنته التوراة وروح الأنبياء، وإلى الدور التاريخي والروحي للشعب اليهودي، أي إنهم يرجعون إلى قلب التراث الضخم الروحي والفكري والأخلاقي والقانوني للتاريخ العبري. أما فيكتور مالكا فيرى في كتابه ” مناحيم بيغن: التوراة والبندقية ” أن اليهود استقوا من توراتهم تعليمات في أعمال العنف واستخدام القوة. فقد جمعت قوانين الحرب في العهد القديم في سفر التثنية، وهي تحدد لهم أسلوب الاستيلاء على المدن، وأسلوب التعامل مع أهلها، وهذه القوانين يعدها القادة الإسرائيليون مصدراً للوحي وشريعة مقدسة لاستئناف البعث اليهودي في فلسطين، على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد الرب ([1]).

فالجماعات الدينية في دولة العدو الإسرائيلي تتصف بأنها ” يهودية المُسمى وصهيونية الهوية ومتطرفة السلوك ويمينية التوجه السياسي، ذلك هو الوصف الأكثر دقة لأغلب الجماعات الدينية التي تنطلق من فكرة الإيمان بأساطير تلموديه وادعاءات صهيونية ليس لها ما يؤكدها في الدين اليهودي ([2]).

على هذا النحو نشأت وترعرعت غالبية الجماعات الدينية الصهيونية داخل الكيان خلال عقود مضت، لكن رغم أن كره  العرب يعتبر القاسم المشترك لتلك الجماعات، إلا أن ذلك لا يعني بالمطلق أنها تتفق على ما وصل إليه الكيان الصهيوني من احتلال الأراضي العربية وإقامة دولته عليها، لأن ما يحمله ذلك التيار الذي يُعرف بجماعات التكفير، سواء من اليهود الشرقيين ” سفارديم ” أو الغربيين ” أشكناز “، من أفكار ومعتقدات، تصطدم مع تيار تلك الجماعات الصهيونية، فهذه الأخيرة، تقوم قناعاتها ومعتقداتها على فكرة أرض الميعاد وشعب الله المختار، بينما التيار الأول المعروف بجماعات التكفيرين لا تتورع جماعاته عن تكفير دولة إسرائيل ([3]).

من الواضح إذاً، أننا أمام تيارين من تلك الجماعات الدينية التي خرجت من رحمها كافة الجماعات الدينية الآن داخل دولة الكيان، فالأول: يُعرف ” بالجماعات الصهيونية ” التي تضم “ المزراحي – المفدال – ميماد- موراشا – تامي ” ([4]).

أما التيار الثاني: المعروف بتيار التكفير، الذي تختلف معتقداته عن الأول كما أسلفنا، فيضم حركات شرقية” شاس – حبد – ناطوري كارتا – ساطمر ، وأخرى غربية تمثلها حركات  أجوادات يسرائيل، ويجيل هاثوراه أو علم التوراة ” ([5]).

 أولاً- الصهيونية· والدين اليهودي علاقة وثيقة: 

ليس تأثير الدين اليهودي والمتدينين طارئاً على دولة إسرائيل، فمنذ انطلاقة الحركة الصهيونية وهذا التأثير ملازم لها، إذ يشير ناجي علوش في كتابه: ” الأساطير والوقائع: الصهيونية والأمة العربية 1998م ” أن اليهود في أوروبا الغربية عندما نشأت الحركة الصهيونية كانوا يمرون بنوع من الانعتاق، ولكن الانعتاق أخافهم، لأنه يقود إلى الاندماج. ولذلك لقيت الدعوة إلى العودة انجذاباً واسعاً نحو صهيون، ونحن نرى أن ما يسمى ” الانجذاب نحو صهيون ” كان نتيجة رفض الانصهار في المجتمعات التي اليهود فيها. وإن كان الانصهار لا يعني الذوبان الشخصي بل “ ذوبان الجيتو “([6]).

ولكن يهود أوروبا الشرقية كانوا متدينين وأكثر تمسكاً بالتوراة وطقوسها. ولم يجد رواد الصهيونية السياسية إشكالاً في ذلك، ووجدوا الحل بدمج الصهيونية السياسية، بالصهيونية الدينية. وهذا ما قاد الصهيونية السياسية إلى تبني الأفكار والرموز الدينية المألوفة لدى الجماهير وتحويلها إلى رموز وأفكار قومية في صياغة شبه دينية للبرنامج الصهيوني ليكون محل قبول من كافة التنوعات الاجتماعية والعرقية والحضارية والثقافية ليهود أوروبا. وطبيعي أن يقود هذا إلى علاقة وثيقة بين الصهيونية والدين اليهودي([7]).

وعلى الرغم من أن الصهيونية بدأت من رجال يبدون علمانيين ( أي أنهم كانوا ملحدين أو لا دينين أو غير ملتزمين بالدين ) إلا أن رواد الحركة الصهيونية اندفعوا إلى الدعوة للتمسك بالدين وإحياء علومه ولغته ومحاربة الزواج المختلط. التربية العبرية تحفظ اليهودية([8]).

وهكذا امتلكت الصهيونية السياسية درجة عالية من البراغماتية ( النفعية ) وجدت أن مشروعها لا يقوم على إلا بالتوحد مع الصهيونية الدينية، لأن الهدف السياسي وهو العودة إلى “ أرض الميعاد ” يحتاج إلى التراث التوراتي كله، ولأن الجمهور اليهودي، لا يستجيب لأهداف الصهيونية السياسية دون ” الوعد الإلهي ” ([9]).

ثانياً- فلسفة التربية اليهودية:

تقوم فلسفة التربية اليهودية على الفوقية والاستعلاء على الآخر ففكرة (شعب الله المختار) التي وردت في سفر اللاويين ( أن الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب ) كانت ومازالت الملهم لفكرة القداسة التي يحظى بها اليهودي دوماً وقد جاء في سفر التثنية: ” وقد اختارك الرب لكي تكون شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض” . فاليهود وبحسب المفهوم العنصري لليهودية، هم وحدهم المقدسون المطهرون، أما الأغيار فهم أنجاس وثنيون تجب محاربتهم والقضاء عليهم، إذا استحال عليهم ذلك فيجب النظر إليهم نظرة دونية  ممتلئة بالازدراء والاحتقار، وأي نظرة إلى هذا النص التلمودي فيما يتعلق بالأغيار الذي يدعي: ” إن الاسرائيلي معتبر عند الله أفضل من الملائكة، وإذا ضرب أمي إسرائيلياً، فكأنما ضرب العزة الإلهية ” ومن خلال ما تقدم يتضح لنا مدى العنصرية المنبثقة من جذور عقدية مستمدة من اصول دينية.

إن أي فلسفة تربوية تقوم على  مثل هذه التعاليم لا بد أن تهدف إلى تخريج طالب يهودي متعصباً لعنصره اليهودي، حاقداً على الآخرين لا سيما العرب الذين اغتصبت ديارهم، وهكذا ينشأ الطالب اليهودي متعصباً متوتراً دائماً، ولديه عقدة الذعر واليأس، ولا تكترث للتعايش السلمي القائم على العدل، لأنه يشعر بأن حياته دائماً مرتبطة بموت الآخرين.

ثالثاً- التعليم الديني في إسرائيل (الكيان الصهيوني):

التدين اصطلاحاً هو عكس العلمنة ويعني سيطرة وهيمنة اليهودية الدينية الأرثوذكسية على الحيز العام، من خلال تحطيم التوازن القائم بين اليهودية والديمقراطية، وفق ما ارتأه مؤسسو دولة إسرائيل في عام النكبة 1948م ([10]).

وفي الوقت الحالي يشهد ميدان التربية والتعليم في دولة الكيان الصهيوني تغلغل المركب الديني في جهاز التعليم الرسمي من اتجاهات متعددة، وبتشجيع ورضا من وزارة التربية والتعليم ذاتها. هذه الوزارة واقعة في السنوات الأخيرة تحت سيطرة التيارات الدينية. ويتم التعبير عن التدين في حالات مختلفة، منها ما هو ظاهري ومنها ما هو خفي أو متستر خلف البرامج تعليمية معنية ([11]).

فعلى سبيل المثال تظهر تعبيرات لمفهوم التدين في اقتباسات نصية من مصادر دينية في كتب الرياضيات والعلوم والجغرافيا. وأيضاً في برامج تربوية ولا منهجية، وصور تحتوي على مركبات دينية مثل شخص يؤدي صلاة، أو شخص يحمل التوراة، أو احتفالات بارميتسفا (احتفالات البلوغ وفقاً لأسس ومفاهيم الدينة اليهودية)… والقصد هنا هو استعمال وتبني مركبات دينية بصورة غير مباشرة، وفي مراحل تعليمية  مختلفة، وبالتالي تغلغلها تدريجياً في معرفة الطالب وفهمه وإدراكه ([12]).

في الآونة الأخيرة تعالت الأصوات المطالبة بتغيير وتجديد الخطاب الديني في البلدان العربية والإسلامية مما يحتم علينا بالمقابل، التعرف على الخطاب الديني للكيان الصهيوني، هذا الخطاب الذي يشكله التعليم الديني، حيث ” إن الدين في نظر المفكرين اليهود والصهاينة هو الأساس الذي تقوم عليه الإيديولوجية أو القومية اليهودية وهو القاسم المشترك بين اليهود، الذي يضمن نقاءهم العنصري ولاءهم القومي ” ([13]).

الأمر الذي يؤدي بنا إلى التعرف على نظام التعليم الديني الحكومي في إسرائيل وذلك من خلال إبراز أبعاد هذا النظام التعليمي، ومعرفة دوره في تشكيل هوية الخريجين وخاصة في المرحلة الابتدائية. بهدف فضح ما تخفيه إسرائيل من نزعات مشبعة بالعدوان والعنصرية، وفضح الشعارات المزيّفة التي ترفعها الصهيونية وعلى رأسها شعار ” السلام “.

وفي دراسة أجراها معهد (Pew) الأمريكي كشف فيها النقاب من خلال استطلاع رأي ومجموعة من البحوث الميدانية على مساحة مواقع كثيرة من العالم،  أن 40% من المجتمع الإسرائيلي يعرف نفسه بأنه علماني. أما الباقي فيعرفون أنفسهم محافظين، متدنيين، وحريديين*([14]).

ولا شك أن ظاهرة العلمنة بحسب النتيجة السابقة تتراجع نسبياً وحضورياً، وأن ظاهرة التدين تتعزز في جهاز التعليم، كما أنها تتعزز في مواقع ومجالات أخرى في الحياة العامة للعدو الإسرائيلي([15]).  لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي مصادر فلسفة التربية في دول الكيان الصهيوني؟

في حقيقة الأمر استمدت التربية في الكيان الصهيوني فلسفتها من أربعة مصادر هي الحركة الصهيونية، الديانة اليهودية، دول اسرائيل، الحضارة الغربية.

1- الحركة الصهيونية: عند الحديث عن الحركة الصهيونية كأحد أهم مصادر التربية اليهودية فأنه لا بد لنا من العودة إلى الجذور التاريخية للحركة الصهيونية والتعرف على الوسائل والمؤسسات التي أقامتها لبلورة إيديولوجية خاصة بها، بإقامة إقليم يهودي مستقل ذاتها، واستقطاب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وقلب الأفكار والوقائع والصهيونية ( كما ذكرنا سابقاً ) تنقسم إلى جزأين متكاملين هما: الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية، فالصهيونية الدينية ترتبط بالأمل اليهودي الكبير القائم على العودة إلى أرض الميعاد ) ” وقد كانت الصهيونية الدينية وراء التقليد بالحج إلى الأراضي المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن التاسع عشر حين ظهرت حركة ” أحباء صهيون ” وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولونيا ورومانيا، في سنوات ( 1881 – 1904 ) وأقامت فيها المستوطنات الأولى وكان هدفها على حد قول الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي : هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين ( صهيون ) تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان.

أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العملي لمنهاج مؤسسها ثيودور هرتزل والمتمثلة في تبنى فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين، و السعي إلى الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين، بالإضافة إلى تشكيل منظمة دائمة تعمل لتوحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية. وقد كان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث مطلبهم يتمثل في تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين. وسنركز هنا على الصهاينة الثقافيين، حيث كانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان اليهودي، وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني، والإيديولوجية الصهيونية بشكل عام. وقد شكلت الحركة الصهيونية لجاناً ومنظمات وهيئات هدفها بث الدعوة الصهيونية بين اليهود في أوروبا، وكانت تأخذ شكل دروس في العبرية وفي التلمود وفي الفكر السياسي الصهيوني، وكانت بوتقة التعليم بالنسبة لدعوتهم العمود الفقري لنجاحهم في استقطاب الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في الجيتو· روحاً وجسداً .

من خلال ما تقدم نلاحظ كيف كانت الحركة الصهيونية أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظراً لما قدمته من أفكار ونظريات وخدمات تعليمية من أجل وضع أسس تربوية خاصة تستطيع من خلالها تطبيق أهدافها الإيديولوجية والتربوية بين صفوف اليهود في كل مكان .

2- التنشئة الدينية ( الديانة اليهودية ): تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند اليهود، وقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيراً على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة اليهودية. ” وعليه احتل الدين اليهودي مكانة بارزة في مختلف التعليم في دولة الكيان الصهيوني سواء الدنيا أو العليا. ويبدو هذا الاهتمام من دور الحضانة إلى الدراسات العليا. كما يلاحظ ذلك من خلال تتبع مراحل التعليم ” ([16]).

وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي اليهودي الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية والدينية والقومية والرسمية عبر التاريخ، وقد تضمنت تلك الفلسفة تعليم أبناء اليهود المفاهيم الدينية التالية:

  • اعتبار التوراة والتلمود المصدر الأساسي للتاريخ والجغرافيا والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.
  • اعتبار الشعب اليهودي هو ” شعب الله المختار” الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي من هذه الديانة وهذا الشعب.
  • ملء المناهج بالبطولات الخارقة والأساطير التي تؤكد أن الإله وعدهم باستخلافهم في الأرض.
  • إن اليهود أمة واحدة لذلك لا بد من جمع جميع اليهود في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية والثقافة اليهودية وحياً من الدين اليهودي، وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً واجتماعياً وانفعالياً وعقلياً عن طريق قصص من التوراة وأسفارها.

وفي هذا يقول حاييم زايزمن أول رئيس لدول إسرائيل المحتلة “ عندما بلغت ما لا غنى عنه لأي طفل يهودي، وخلال السنوات التي قضيتها في مدارس الدين تلك، كان علي أن أدرس أشياء من أصول الديانة اليهودية، والذي ملك علي هو سفر الأنبياء ” ([17]).

وما يمكن ملاحظته هو الاهتمام الكبير بتدريس المواد الدينية في جميع مراحل التعليم لأبناء اليهود أينما وجدوا، حيث تأتي مادتا التوراة  والتلمود في مقدمة الدراسات، وتعتبر المادتان أساساً وإطاراً للغايات التربوية، ويذهب مفكرو التربية اليهودية إلى أن معرفة روح التلمود وشرائعه وآدابه يجب أن يكون جزءاً من دراسة كل يهودي متعلم حتى وإن لم يكن سيجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، فالأمر شبيه بتعلم الفيزياء والرياضيات، فمع لأنه ليس كل تلميذ يتخصص فيهما، ولا يستخدم جميع ما يتعلمه فيهما العملية، إلا أنهما ضرورتان له كذلك بالنسبة للتلمود يجب أن يحفظ كل تلميذ مقاطع معينة منه وأن يتشرب روحها.

وفي هذا السياق نورد بعض التعاليم التي يتضمنها التلمود، حيث صيغت بمهارة فائقة تدل على أن واضعيها كانوا على قدر من الذكاء والفطنة:

  • اليهودي لا يخطئ إذا اعتدى على عرض الأجنبية، وإن عقود الزواج عند الأجانب فاسدة، لأن المرأة غير اليهودية بهيمة ولا تعاقد مع البهائم.
  • يجوز لليهودي أن يقسم زوراً ولا جناح عليه إذا حول اليمين وجهة أخرى.
  • من يقتل مسلماً أو مسيحياً أو أجنبياً أو وثنياً، يكافأ بالخلود في الفردوس وبالجلوس في السراي الرابعة.
  • الأجدر بك أن تكون رأس ثعلب من أن تكون ذنب أسد.
  • صديقك له صديق وصديق صديقك أيضاً فكن حصيفاً ( اكتم أسرارك ).
  • الرجل الذي في سلته خبز ليس كمثل الذي لا شيء في سلته.
  • إذا لم يستطع السارق انتهاز الفرصة زعم نفسه أميناً.
  • كثيرون يعظون جيداً ولمنهم لا يعملون جيداً.
  • يقرر التلمود أن اليهودي يعتبر عند الله أفضل من الملائكة لأن اليهود جزء من الله مثلما الابن جزء من أبيه.

وهكذا نجد أن دراسة التوراة التي تقابلها في العبرية عبارة (تلمود تورا)، وتُستخدَم للإشارة إلى مفهوم تربوي أساسي يستند إليه الفكر التربوي بين أعضاء الجماعات اليهودية حتى القرن الثامن عشر الميلادي. ويستمد موضوع دراسة التوراة أهميته من عدة أشياء أساسية في العقيدة اليهودية منها أهمية التوراة ذاتها باعتبارها الكتاب المقدس الذي يحوي كلام الإله، ومنها أن إرسالها لليهود هو علامة على اختيارهم. ولكن، لعل أهم الأسباب هو مفهوم الشريعة الشفوية الذي يجعل تفسير الحاخامات للتوراة (كلمة الإله) ، ودراستهم لها، أكثر أهمية من النص المقدَّس ذاته. ولكل هذا، كان الفعل الأسمى لدى أعضاء الجماعات اليهودية هو التفرغ لدراسة التوراة.

ويمكن القول بأن المؤسسات التربوية بين أعضاء الجماعات اليهودية هي بالدرجة الأولى أشكال من التعبير عن هذا المفهوم وتحوراته، وأنها مع هذا خضعت لتغيرات الزمان والمكان. فالحلقات التلمودية، والمدارس التلمودية العليا، والمدارس الأولية الخاصة والخيرية، كانت كلها تدور حول دراسة التوراة.

ولعل ما عمق هذا الاتجاه، هو تحول اليهود إلى جماعة وظيفية تود الحفاظ على هويتها وانعزاليتها، والتمركز حول التوراة ( كتاب اليهود المقدس ) هو أسرع السبل لإنجاز هذا. ولكن، مع تبنِّي المسيحية التوراة كتاباً مقدساً، أكدت اليهودية الحاخامية ( التلمودية ) أهمية التلمود على حساب التوراة، ومن ثم أصبحت عبارة دراسة التوراة تعني في واقع الأمر دراسة التلمود.

ويجب التنبيه إلى أن دراسة التوراة لم تكن دائماً نشاطاً مدرسياً أو حتى شبه مدرسي، وإنما كانت في كثير من الأحيان واجباً دينياً يأخذ شكلاً تربوياً ـ تماماً مثل حلقات الدرس في المساجد حيث يجلس المسلمون بعد الصلاة يتفقهون في أمور دينهم ويسألون شيخهم فيما يواجهونه من مشاكل([18]).

3- دولة الكيان الصهيوني (دولة إسرائيل): قامت دولة الكيان الصهيوني على جزء من فلسطين العربية عام 15/05/ 1948 بتحالف بين الحركة الصهيونية وقوى التخالف الغربي واعتماداً على العنصر اليهودي، ويعتبر الكيان أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود التي تهدف إلى ما يلي([19]):

  • تكوين مجتمع عنصري موحد من شتات اليهود الذي تجمع في أرض فلسطين.
  • ب‌-   بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.
  • ت‌-   المحافظة على التراث الصهيوني ونشره في الدولة الصهيونية.

ويمثل نظام الحكم في إسرائيل المصدر الثالث للفلـسفة التربويـة الإسـرائيلية، والتي تُعد مزيجاً من المصدرين السابقين، حيث يتم صبغ المؤسـسات التربويـة التابعـة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بصبغة الصهيونية والديانة اليهودية باسـتثناء بعـض المؤسسات الحريدية المستقلة التابعة للجماعات المتدينة في المجتمع الإسرائيلي.

إن فلسفة التربية في إسرائيل قد عملت على إعداد جيل يتقن اللغة العبرية كلغـة رسمية، ملم بالمعرفة والثقافة والتقاليد اليهودية المرتبطة بالدين اليهـودي ليتـشبث بهـا النشء كما ورد في نص قانون التعليم الرسمي في إسرائيل لعام 1956، وقـد انعكـس ذلك على أهداف التعليم وبرز الهدف الإيديولوجي الرئيس الذي يسعى إلى تنشئة مواطنين يؤمنون بالمبادئ والقيم والأفكار الصهيونية، لديهم الانتماء القومي والـوطني لإسـرائيل، وحاولت هذه الأهداف طمس الهوية العربية، فلم تتطرق إلى القوميـة العربيـة أو حتـى لوجود العرب ([20]).

ومن ضمن اتجاهات فلسفة التربية القائمة اليوم في الكيان الإسرائيلي، الاهتمـام بالتعليم الزراعي والذي من شأنه أن يعزر الارتباط النفسي والعاطفي لليهـود بـالأرض ويجعلهم يشعرون بقيمتها ويتمسكون بها ويستقرون فيها. وأصبح برنامج التعليم الزراعي جزءاً من البرنامج التعليمي في المراحل الدراسية المختلفة، وهي محاولة مـن شـأنها أن تربي الناشئة على التعلق الفعلي بالأرض، بالإضافة إلى الأبعـاد الاقتـصادية المباشـرة الناتجة عن هذا التعلم والأنشطة الزراعية المرتبطة به ([21]). وقد نص قانون التعليم الرسمي في دولة الكيان الصهيوني على ما يلي: ” إن التعليم الابتدائي يهدف إرساء الأسس التربوية على قيم الثقافة اليهودية ومنجزات العلم وعلى محبة الوطن والولاء للدولة وللشعب اليهودي، وعلى ممارسة الأعمال الزراعية والحرفية وعلى التهيئة لوجود رائد، والعمل على تشييد مجتمع تسوده مبادئ الحرية والمساواة والتسامح والتعاون ومحبة الجنس البشري ” ([22]).

4- الحضارة الغربية: لعل من الطبيعي أن يكون للحضارة الغربية تأثيراً عميقاً على الكيان الـصهيوني بكافة مؤسساته وأنظمته، ولما لا وقد نشأت الحركة الصهيونية وترعرعـت فـي قلـب أوروبا وأمريكا، كما أن معظم الزعماء الصهاينة من أصول غربية، فـاليهود الاشـكناز يمثلون الغالبية العظمى في إسرائيل، وقد عمل هؤلاء على نقل الثقافة والحضارة الغربيـة إلى الكيان الإسرائيلي من أجل بناء دولة عصرية متق دمة مـن خـلال الاهتمـام بـالعلم  والتكنولوجيا، واتباع أحدث الاتجاهات الغربية في التعليم، كما سـعت الـصهيونية إلـى الاهتمام بالتعليم وإنشاء المعاهد العليا والجامعات، كالجامعة العبرية في القـدس ومعهـد الهندسة التطبيقية في حيفا 1912([23]).

وفي هذا الصدد، يجب الإشارة إلى أن الخلل الضارب بجذوره في البنيـة التربوية الإسرائيلية، الذي يعد من أهم دلالالته العنصرية في رؤية الذات والآخـر، إنمـا هو انعكاس لعدة أبعاد رئيسة، أهمها البعد الديني التوراتي والتلمودي، والبعد الاجتمـاعي السياسي الذي تمتد جذوره إلى مراحل اضطهاد اليهود في روسيا وألمانيا، وأخيراً البعـد المتمثل في أزمة الانسان الغربي الناتج عن انفصال العلم والتكنولوجيـا عـن المنظومـة القيمية والأخلاقية، وقد تنبه إلى البعد الأخير بعض المفكرين الغربيين. فيقـول برترانـد راسل: “ أن النجاح الباهر للعلم في تطبيقاته التكنولوجية قد جلب خطراً من نوع آخر، فهـذه المشاريع كلها تقتضي جهداً إنسانياً وينبغي أن تخدم أهدافاً إنسانية، ومـن هـذه الناحيـة بالذات، نجد عالمنا المعاصر يتجاوز كافة حدود الاعتداء “([24]).

رابعاً- عسكرة التعليم في إسرائيل:

يؤمن قادة الحركة الصهيونية وقيادات دولة إسرائيل أيضاً بحقيقة مفادها أن الدولة الإسرائيلية تعيش مشكلة وجود سترافقها للأبد، وذلك لوجودها في وسط عربي لا يقبل بشرعيته، وأن طبيعة الصراع القائم بين العرب وإسرائيل صراع وجود وليس صراعاً على حدود أو أرض. في ضوء هذه الرؤية يعتقد القادة الصهاينة ضرورة سيادة الطابع العسكري للمجتمع الإسرائيلي، وتتفوق دولة إسرائيل لمواجهة هذا الصراع الذي لن تكون الغلبة فيه إلا للأقوى، ويتضح ذلك من فلسفة مناحيم بيغن* التي نسجها على منوال ديكارت حينما قال: أنا أفكر إذن أنا موجود. فحولها بيغن رئيس وزراء إسرائيل السابق إلى:”  نحن نحارب فنحن نكون ” ([25]).

ويقول زئيف جابوتنسكي ( 1596-1650 ) فيلسوف الحرب والإرهاب في الحركة الصهيونية، في حديثه لمستشار الطلبة اليهود في ڤيينا: ” تستطيع أن تلغي كل شيء، القبعات والأحزمة والإفراط في الشراب والأغاني، أما السيف فلا يمكن إلغاؤه. عليكم أن تحتفظوا بالسيف، لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً، بل هو ملك لأجدادنا الأوائل. إن السيف والتوراة نزلا علينا من السماء” ([26]).

فالتعليم الإسرائيلي لا يتجه إلى تربية الأطفال، أو تثقيفهم، أو تعليمهم تعليماً سليماً وموضوعياً وحيادياً يحث على التسامح والمحبة وعدم العنصرية، بل يغذيهم بالعنفِ وكراهية الآخر المتمثل في الفلسطيني والعربي المحيط بالكيانِ الصهيوني المحتل، ويقدم شرائح من الخريجين اليهود، وقد تمكنت العنصرية المتعصبة من عقولهم وقلوبهم، فالتربية العسكرية ( عسكرة التعليم ) والإيديولوجية الصهيونية، وعملية السلام، وتاريخ تأسيس دولة يهودية في فلسطين لا يمكن أن تكون في الهوامش، ولذا يتم تبرير التعليم لقتل الآخر بالنصوص الدينية على أنه عباده، والأمثلة التاريخية وفتاوى الحاخامات حولت القتل إلى عبادةٍ، ثم طبقَ ذلكَ كله على أرض الواقع، فتمخض منه جيل عسكري لا يؤمن إلا باليهود وخصوصيتهم.

ومن مظاهر عسكرة التعليم في إسرائيل عقد رحلات للطلبة إلى قواعد الجيش الإسرائيلي، وأخذ صور تذكارية معهم، والاعتزاز بألوية الجيش وتثبيتها على المؤسسات التربوية، وتقديم الهدايا للجنود والتقدم لهم بالشكر والامتنان لما يقدموه للوطن، وتقديم من يقتل في أرضِ المعركة بأنهم أبطال يستحقون كل الاحترام والتقدير، وحضور معارض فنية تخلد ذكرى الجنود الذين قتلوا في حروب إسرائيل، سيما متحف ( ياد لبنيم )، وكتابة الأطفال اليهود للرسائل مع توقيعهم على القذائف التي تلقى على الأحياء العربية لقتل الأطفال هناك، وتم بث ذلك على شاشات التلفزة في حرب لبنان 2006 ([27]).

خامساً- تبرير المجازر الوحشية ضد العرب والفلسطينيين في الكتب المدرسية الإسرائيلية:

تصور الكتب الإسرائيلية المجازر والجرائم الصهيونية على أنها مجرد معارك روتينية أو عمليات عسكرية كانت تشكل انحرافاً عن الخط، لكن الكتب تشرعنها بسبب النتائج الإيجابية التي أفضت إليها، وهي إنشاء الدولة، والحفاظ على أمن الإسرائيليين. وتستند أساليب شرعنة المجازر التي تعتمدها الكتب المدرسية في جانب كبير إلى المنفعة، كونها نقطة انطلاق نحو إحداث التغييرات الإيجابية. ولقد كانت المجازر مفيدة بالنسبة لإسرائيل، فمجزرة دير ياسين* الوحشية أسهمت في تسريع وتيرة إخلاء المدن والقرى العربية. ومجزرة قِبية** أرست دعائم الأمن وأعادته إلى المستوطنات، ورفعت معنويات الجيش. ومجزرة كفر قاسم*** تسببت في صدور حكم مستنير، وفي إقصاء الحكومة العسكرية ([28]).

هكذا تتم شرعنة المجازر في دولة إسرائيل، وفي السياقِ تنزع هذه الدولة – ولأسباب سياسية – سمة الشرعية عن الفعل أو عن الفاعلين، باعتبارِهم منشقين، أو لا يعلمون بوجود أصحاب البيوت داخلها، في محاولة للتحفيف من هول المجازر أو للتحرر من المسؤولية الرسمية عنها. وحرف الأنظار عن الضحايا الفلسطينيين لكي لا يحظون بأي اهتمام أو تضامن أو عاطفة إنسانية، في مقابل إبراز شجاعة القضاة ونزاهتهم الأخلاقية من ناحية. أو ديمقراطية إسرائيل من ناحية أخرى، وتتحاشى ذكر إطلاقِ سراح القتلة اليهود وإعادتهم إلى مناصبهم بعد فترة وجيزة.

إن تفسير المجازر وإعادة تفسيرها يتم من خلال إقصاء الرواية الفلسطينية، وعدم التطرق للخسائر والأضرار الفادحة التي لحقت بالضحايا، وتقبل الألم الكبير الذي ألم بهم، إذا كان يحول دون وقوع ألم أكبر. وإن عدم إثارة التساؤلات حول ما جرى يؤدي إلى قبول وجهة نظر وحيدة كونها حقيقة مسلماً بها. وبعد الإعداد الإيديولوجي للطلبة في المدارس الإسرائيلية، البعيدة كل البعد عن الأساليب المعرفية في البحث العلمي والدراسة، وبعد النجاح في غرس أفكار تعصبية وعنصرية وتحريضية ضد العرب والفلسطينيين، يلتحق الطلبة الإسرائيليون بالخدمة العسكرية بناء على قناعتهم بأن التعاطف يرتبط بالعرق أو الدين، وليس له مكان في العلاقات بينهم وبين جيرانهم الفلسطينيين. وينطلق جيل بعد جيل من مفهوم راسخ يقول: إن المنفعة هي المعيار الوحيد الذي يجب أن يوجه سلوكهم ([29]).

خلاصة القول، إن تأثير التعليم الديني في المجتمع الإسرائيلي مكننا من التعرف على أسلوب هذا النمط من التعليم في تشكيل ثقافة وفكر الطلاب في إسرائيل والعوامل المؤثرة في تشكيل هويتهم ومعتقداتهم. وأنها تُعطي صورة تفصيلية للتعليم الديني الذي يتلقاه نصف سكان إسرائيل تقريباً وهي نسبة ليست بالقليلة، وخاصة إذا رأيناها ضمن النظام العام للتعليم في إسرائيل والذي يظهر تقدماً ملحوظاً للمدارس الدينية بأنواعها المختلفة في مقابل تراجع نسبة الملتحقين بالمدارس المدنية العلمانية. وأنها كذلك تكشف عن نقاط الضعف في هذا الكيان، وتُعرف بمكامن الصراع المكتومة حول هُويته، مما يجدر بنا إلى إعادة النظر في توجيه وتفعيل دور التربية العربية والإسلامية لمواجهة تداعيات الهوية الإسرائيلية العنصرية. كما أن الدوافع والإرهاصات التي أدت إلى وجود التعليم الديني في إسرائيل، وأنها قد تنوعت حسب السياق المجتمعي، فكانت هناك دوافع دينية سياسية تمثلت في رغبة الأحزاب الدينية في وجود نمط من التعليم يساعد في نموها وفي سيطرتها على الواقع السياسي الإسرائيلي، كذلك كان للتعليم الديني دور بارز في احتواء المهاجرين وصهرهم داخل المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي يعني أن التعليم الديني كان محور الحياة السياسية والاقتصادية والدينية قبل إعلان دولة إسرائيل وبعدها، وكان له أبلغ الأثر في رسم الخريطة السياسية في إسرائيل.

وهكذا ترتبط سياسات التعليم الديني في إسرائيل بالسياسة العامة للدولة ارتباطاً قوياً، وتحقق الأهداف العليا للدولة، فيعد الكنيست هو راسم سياسات التعليم وهو المحدد لها وصاحب أكبر تأثير، خاصة على التعليم الديني، كما تؤدي الأحزاب السياسة دوراً بارزاً في تحديد ورسم سياسات التعليم الديني خاصة الأحزاب الدينية، التي تمثل قوى ضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في زيادة ميزانية التعليم الديني وتحقيق الاستقلالية للمدارس الدينية الرسمية.

ولقد استهدفت السياسة العامة للتعليم الديني التخطيط لإنتاج ” اليهودي الجديد ” بقيم وعادات وأفكار واتجاهات واحدة على الرغم من التنوع الثقافي للمواطنين الإسرائيليين، وبثت في نفوس الطلاب أن الاستيلاء على أرض الغير بالقوة وسيلة مبررة من أجل إعادة اليهودي إلى أرضه كما يدعون. كما اعتبرت الديانة اليهودية مصدراً مهما من مصادر السياسة العامة للتعليم الديني في إسرائيل مركزة على تدريس التوراة والتراث اليهودي وتاريخ القبائل اليهودية بهدف تحقيق الأهداف السياسية للصهيونية العالمية.

وفي النهاية نجد أن الغاية الأساسية للتعليم الديني الرسمي هي بناء شخصية دينية إيديولوجية، فالخريج لدى مواجهته الحياة الواقعية سيبلور بذاته مفاهيمه ومعتقداته اليهودية، والهدف المرجو منه هو أن يكون كل ما يقوم به على المستوى الفردي والجماعي نابعاً من المفاهيم القائمة على تعمقه في الدراسات الدينية، وانعكاس هذه المعتقدات والأفكار على تصرفاته، ونمط حياته الذي يلتزم فيها بأحكام الديانة اليهودية من جهة، وبناء شخصية مثقفة تتحلى بالدراسات الدينية والدنيوية من جهة أخرى. وعليه، فإن المناهج الدراسية في التعليم الديني، تزيد من تعصب التلاميذ اليهود ضد غير اليهود، أي العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً. وقد كثفت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، السابقة والحالية، هذه المناهج بشكل واسع، بهدف إنشاء جيل يحمل أفكارها، أو على أقل الفروض يبرر سياستها ضد الفلسطينيين. ولقد شرحت المناهج التوراة شرحاً تاريخياً من خلاله أحداث الزمان التوراتي وأحداث المكان التي هي أساس الربط بين الآفاق المعاصرة وبين الماضي اليهودي السحيق، وقد افترضت هذه المناهج عدم وجود شعب فلسطيني عربي في المنطقة أي إن الأرض الفلسطينية خالية من البشر، وتنتظر عودة الشعب اليهودي إليها ( كما يزعم اليهود ). واستهدفت المناهج ربط الطالب دائماً وأبداً بالبعد القومي وتاريخ اليهود على مر العصور، وخاصة الفترة التي كانوا فيها في أرض فلسطين. ولقد حرصت هذه المناهج في بعدها السياسي على تعريف الطالب الإسرائيلي بمن يحيطون به من أعداء، وكان لمصر نصيب كبير في المناهج الإسرائيلية فتناولتها من نواحي عدة، دينية وسياسية، وحاولت في أكثر من موضع أن تظهر أسوأ ما في الدول العربية، فتحدثت عن وجود متناقضات كثيرة فيها، وبالأخص عن المستوى الاجتماعي والاقتصادي المتدني، منتهية إلى تقزيمها، وتصويرها بأنها من أدنى الأمم والشعوب في العالم.

الهوامش:

 

([1]) نائل نخلة: مناهجنا آخر الحصون- هكذا يربي اليهود أبناءهم، مجلة البيان، المنتدى الإسلامي، العدد، 238.

–  http://islamport.com/l/mjl/5893/4219.htm

([2]) إياد جبر: الهوية التوراتية للمجتمع الصهيوني، مجلة البيان، شؤون صهيونية، الجمعة 11 شوال 1440 هـ  – الموافق 2019/06/14 م.

– http://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?id=5431

([3]) المرجع السابق نفسه.

([4]) المرجع السابق نفسه.

([5]) المرجع السابق نفسه.

  • وهنا يجب علينا التفرقة بين الصهيونية، كحركة سياسة تهدف إلى جمع اليهود ولم شملهم وتهجيرهم إلى فلسطين المحتلة لـتأسيس دولة يهودية فيها تدين بالدين اليهودي، وتتميز بالعنصر اليهودي والثقافة اليهودية، وبإرادة بعث مملكة داوود،  وتلك الحركة نشأت في أواسط القرن التاسع عشر على زعيمها الأول تيودور هرتزل. أما الصهيونية كحركة دينية – فكرية أو تمدنية شاملة تهدف إلى تمكين العنصر اليهودي من أداء رسالته، وتتفهم هذه الرسالة كتملك لأرض الميعاد، وقهر لجيرانها الأعداء، وتركيز لسلطة العالم الروحية والحضارية والفكرية في صهيون، فهي فكرة قديمة جداً.

([6]) ناجي علوش: الأساطير والوقائع: الصهيونية والأمة العربية، دار الشروق، عمان، ط1، 1998، ص (93).

([7]) المرجع السابق نفسه، ص (93).

([8]) المرجع السابق نفسه، ص (92-93).

([9]) المرجع السابق نفسه، ص (94).

([10]) جوني منصور: التدين في مناهج وكتب التعليم في إسرائيل، برنامج عبد المحسن القطان لدراسة المشروع الصهيوني، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسة والدراسات الاستراتيجية ( مسارات)، غزة، ط1، 2018، ص (13).

([11]) المرجع السابق نفسه، ص (13- 14).

([12]) المرجع السابق نفسه، ص (14).

([13]) أوس داوود يعقوب: قراءة في الذهنية العنصرية اليهودية الصهيونية، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، لندن، 2004. https://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/m_abhath-09-03-10-2.htm

* هم جماعة من اليهود المتدينين ويعتبرون كالأصوليون حيث يطبقون الطقوس الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية. ويحاول الحريديم تطبيق التوراة في إسرائيل.

وكلمة “حريديم” هي جمع لكلمة “حريدي” وتعني ” التقي” وربما يكون الاسم مشتق من الفعل “حرد” الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف. و الحريديم يرتدون عادة أزياء يهود شرق أوروبا وهي معطف أسود طويل وقبعة أسودان وبالإضافة إلى “ الطاليت ” وهو شال خاص بصلاة اليهود غالبا ما يكون أبيض اللون في زواياه الأربع ” التزيتزيت ” وهي مجموعة خيوط طويلة من الصوف مجدولة ومعقودة بطريقة خاصة.  ويرسل رجال الحريديم ذقونهم حتى تصل إلى صدورهم، وكذلك يرسلون شعورهم وتتدلى من خلف آذانهم خصلات شعر مجدولة. تتشابه نساء الحيريديم في ملابسهن إلى حد كبير جداً مع النساء المسلمات الأصوليات المتطرفات، إذ ترتدي الكثير من نساء الحيريديم لباساً يكاد يطابق البرقع الذي ترتديه النساء المسلمات المتشددات.

([14]) جوني منصور: التدين في مناهج وكتب التعليم في إسرائيل، برنامج عبد المحسن القطان لدراسة المشروع الصهيوني، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسة والدراسات الاستراتيجية ( مسارات )، غزة، ط1، 2018، ص (27).

([15]) المرجع السابق نفسه، ص (27).

  • الجيتو: المَعزِل أو الغَيْت يشير إلى منطقة يعيش فيها، طوعاً أو كرهاً، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين. أصل الكلمة يعود للإشارة إلى حي اليهود في المدينة، مثل الغَيت في مركز مدينة روما. ويشار إلى الغَيت في الدول العربية ب ” حارة اليهود” أو الملاح كما يعرف في المغرب، لكن هذه الأحياء في المدن العربية كانت غير معزولة بأسوار عالية ولا مغلقة ببوابات محكمة. الغيت أيضاً هو وصف درج على وصف الأحياء الفقيرة الموجودة في المناطق المدنية الحديثة.

([16]) عبير سهام مهدي: التعصب في الفكر الصهيوني، دار الجنان للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2012، ص (88).

([17]) محمد عثمان شبير: صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية، مكتبة الفلاح، الكويت، 1987، ص (86).

([18]علي الخبتي: صورة العرب والمسلمين في مدارس إسرائيل: تحليل المناهج الدراسية في التعليم العام، مكتبة العبيكان، الرياض/ ط1، 2009، ص (42-43).

([19]عبد الوهاب محمد المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، القاهرة، المجلد: 3، ط1، 1999، ص (479).

([20]هالة إسبانيولي: الإيديولوجية الصهيونية وانعكاسها في كتب التدريس العربية، مجلة قضايا إسرائيلية، رام الله، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، السنة الأولى العدد: 24، 2001، ص (89).

([21]) عبد الله محمود أحمد: التربية العنصرية: قراءة نقدية لنظام التعليم العام في إسرائيل، مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، المجلد: 14، الجزء: 1، يناير 2020، ص (147).

([22]) نجلاء نصير بشور: تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة، منظمة التحرير الفلسطينية- مركز الأبحاث، بيروت، 1971، ص (16).

([23])عبد الله محمود أحمد: التربية العنصرية: قراءة نقدية لنظام التعليم العام في إسرائيل، مرجع سبق ذكره، ص (148).

([24]) برتراند راسل: حكمة الغرب الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ترجمة: فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد: 72، الجزء:1، الكويت، 1983، ص(21).

* مجرم وسياسي إسرائيلي تربى على الأفكار الصهيونية، وتشبع بأمل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وكرس حياته لخدمة هذا الهدف، خصوصاً أن البلدة التي ولد فيها عُرفت بكثرة مدارسها التلمودية، حيث تلقى تربية أهّلته ليصبح أحد أبرز مؤسسي وقادة إسرائيل. ولد مناحيم بيغن يوم 16 أغسطس/ آب 1913 في مدينة بريست لتوفيسك في روسيا البيضاء. بدأ بيغن نشاطاً عسكرياً سرياً وهو في ابن 13 عاماً، حيث انضم إلى حركة ” هشومير هتسعير ” وتعني بالعربية ” الحارس الشاب “، وبعدها بثلاث سنوات التحق بحركة ” بيتار ” التي أسسها زيئيف جابوتنسكي، والتي كثفت نشاطها في صفوف اليهود القاطنين في دول أوروبا الشرقية، وأسست مراكز للتدريب العسكري في بعض هذه الدول كما نظمت هجرة اليهود منها إلى إسرائيل. ساعد تكوين بيغن الدراسي والسياسي في أن يصبح عنصراً مؤثراً في اليسار الإسرائيلي ويتزعم المعارضة في إسرائيل ويمثلها في الكنيست ( البرلمان الإسرائيلي ) ثلاثة عقود، ثم يقودها لأول مرة إلى الحكم عام 1977 عندما تولى رئاسة الوزراء. وكان بيغين فور وصوله إلى فلسطين كوّن منظمة عسكرية صهيونية أطلق عليها اسم ” أرغون “، كرست عملها لتحقيق مبادئ حركة بيتار نفسها، إذ عملت على تهجير الفلسطينيين من ديارهم. وبالموازاة مع ذلك نشطت في تنظيم هجرة اليهود من أوروبا وروسيا إلى الأراضي الفلسطينية. ومن أشهر ما خلفته هذه المنظمة العسكرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي: مذبحة دير ياسين يوم 17 سبتمبر/أيلول 1948 التي راح ضحيتها أكثر من 360 فلسطينياً، كما ذكر ذلك بيغن نفسه في كتابه ” التمرد.. قصة أرغون “.

([25]رشاد عبد الله  الشامي: الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد: 102، 1986، ص (195).

([26]) المرجع السابق نفسه، ص (195).

([27]المرجع السابق نفسه، ص (195).

بسمة رشدي غانم: العنصرية والكراهية في مناهج وزارة المعارف الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، أطروحة غير منشورة لاستكمال نيل درجة الماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، 2020، ص(23-24-25).

* وقعت مجزرة دير ياسين يوم 9 أبريل/ نيسان 1948 على أيدي مجموعتي الأرغون التي كان يتزعمها مناحيم بيغن ( الذي انتخب رئيساً لوزراء إسرائيل 1977-1983)، ومجموعة شتيرن التي كان يترأسها إسحق شامير ( الذي انتخب رئيساً لوزراء إسرائيل 1983-1992 بتقطع )، بدعم من قوات البالماخ. حدثت المجزرة بعد أسبوعين من توقيع اتفاقية سلام طالب بها رؤساء المستوطنات اليهودية ووافق عليها أهل دير ياسين. بدأ الهجوم فجراً عندما اقتحمت قوات العصابتين الصهيونيتين القرية من جهتي الشرق والجنوب ليفاجئوا سكانها النائمين، لكنهم ووجهوا بمقاومة من أبناء القرية، مما دعاهم للاستعانة بعناصر البالماخ الذين أمطروا القرية بقذائف الهاون، وهو ما مهد الطريق لاقتحام القرية.

وتحكي المصادر التاريخية أن عناصر الأرغون وشتيرن كانت تفجر البيوت وتقتل أي شيء يتحرك، وأوقفوا العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب إلى الجدران وأطلقوا عليهم النيران. كما سُجل حرص تلك العناصر على تشويه جثث الشهداء ببتر أعضائها، وبقر بطون الحوامل مع المراهنة على جنس الجنين. واقتيد نحو 25 من رجال القرية داخل حافلات وطافوا بهم شوارع القدس كما كانت تفعل الجيوش الرومانية قديماً، ثم أعدموهم رمياً بالرصاص. وبحسب المصادر العربية والفلسطينية يتراوح تقدير عدد الضحايا بين 250 – 360 جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

** حدثت مذبحة قبية في ليلة ما بين 14 أكتوبر/ تشرين الأول و15 أكتوبر / تشرين الأول من عام 1953 عندما قام جنود إسرائيليون تحت قيادة المجرم أرئيل شارون بمهاجمة قرية قبية الواقعة في الضفة الغربية ( التي كانت حينها تحت السيادة الأردنية ). قتل فيها 69 فلسطينياً، العديد منهم أثناء اختبائهم في بيوتهم التي تم تفجيرها. تم هدم 45 منزلاً ومدرسة واحدة ومسجداً.

*** مجزرة كفر قاسم في يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، فتح جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم في قرية كفر قاسم، فقتل 49 مواطناً معظمهم من الرعاة، والمزارعين، وأصاب 31 في 11 موجة قتل، توزعت في أنحاء القرية. ارتقى 44 شهيداً على الطرف الغربي للقرية، بينما ارتقى ثلاثة شهداء على الطرف الشمالي، وفي داخل القرية ارتقى شهيدان. هكذا توزع شهداء المجزرة الــ 49 ( نصفهم من النساء والأطفال ) على أطراف وفي داخل كفر قاسم، والتي أصبحت لاحقاً ” مدينة الشهداء“. في نهاية الخمسينات، تم تقديم بعض المسؤولين عن المذبحة، وتمت تبرئتهم جميعاً إلا واحداً يدعى ” شدمي “، فقد غُرّم بقرش واحد فقط لمشاركته في المجزرة.

([28]مهند عبد الحميد:  دور الكتب المدرسية في تشكيل ذاكرة جمعية إسرائيلية مهيمن عليها- قراءة في كتاب جديد حول فلسطين في كتب التدريس الاسرائيلية، المركز الفلسطيني للدارسات الإسرائيلية، مدار، 2012، ص (109).

([29]المرجع السابق نفسه، ص (110).

بسمة رشدي غانم: العنصرية والكراهية في مناهج وزارة المعارف الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، مرجع سبق ذكره، ص(32-33).
_________
*المصدر: موقع “التنويري”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى