
فلسفة وميتافيزيقا
دراسة فلسفية متكاملة لكتاب “هيدجر.. مفكر العودة إلى الوراء”
دراسة فلسفية متكاملة لكتاب “هيدجر.. مفكر العودة إلى الوراء”
المؤلف: جان جاك ميخالف
الترجمة: د. محمد سبيلا
—
المقدمة
ينطلق هذا البحث في دراسة فكر الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر، من خلال قراءة نقدية وموسعة لمقال جان جاك ميخالف «هيدجر.. مفكر العودة إلى الوراء» (ترجمة د. محمد سبيلا). يركز البحث على مركزية سؤال الكينونة في فلسفة هيدجر، ودوره في إعادة تأسيس الفلسفة بعد «نسيان الكينونة» في الميتافيزيقا الغربية.
—
1. خلفية فلسفية وتاريخية
تأسست الفلسفة الغربية على منجزات أفلاطون وأرسطو وهيغل، حيث نُسيت الكينونة (الوجود ذاته) في مواجهة الكائن (الموجودات المحسوسة). كما حمل القرن العشرين، المليء بالمآسي التراجيدية، تهمة هيغل في التصورات الشمولية، ما دفع هيدجر لإعادة توجيه البوصلة نحو سؤال أصلي: ما معنى الوجود؟
—
2. الكينونة والكينونة المنسية
يرى هيدجر أن الميتافيزيقا الغربية نسيَت «الكينونة» وصنّفتها جانبًا هامشيًا، مُتجهة إلى التعامل مع الكائنات التي تُحَدَّد عبر العقل والتقنية. الكينونة، التي هي جوهر الوجود ذاته، صارت غائبةً عن التفكير الفلسفي المهيمن. يقدم هيدجر بذلك الفرق الأنطولوجي بين الكينونة والكائن كقاعدة أساس.
—
3. العقل والكينونة: حدود الكشف
يناقش هيدجر قدرة العقل على إدراك الكينونة، مؤكدًا أن الكينونة ليست موضوعًا معرفيًا تقليديًا، بل حدث كشف (Aletheia)، أي انكشاف الحقيقة كمظهر متغير يصعب تثبيته في مفاهيم جامدة. وبالتالي، فإن فلسفة هيدجر تتسم بالالتزام بالشكّ الفلسفي المستمر ومسالك «لا تؤدي إلى مكان» (Holzwege).
—
4. الكينونة كقوة أولية (vis primitiva activa)
يقدم هيدجر الكينونة كقوة أولية نشطة، شبيهة بمفاهيم مثل Conatus عند سبينوزا أو إرادة القوة عند نيتشه، لكنها تختلف لأنها ليست خاصية ذات واعية بل طاقة أساسية تعمل في الموجودات من داخلها. الكينونة هنا هي العملية الديناميكية التي تُبقي الكائنات قائمة.
—
5. مقاربة هيدجر وأفق الإشكالات المعاصرة
يطرح ميخالف نقدًا محوريًا لهيدجر: هل العودة إلى الأصل تعني الانكفاء أو الهروب؟ وهل يمكن الهروب من مسؤوليات التاريخ والأخلاق بالانغماس في التأمل الوجودي؟ هيدجر يقدّم رؤية تتحدى التقدمية التقنية والعقلانية الحديثة، لكنه يترك الباب مفتوحًا للمساءلة الأخلاقية والسياسية.
—
6. من حياة هيدجر إلى فلسفته
تأثر هيدجر بخلفيته الألمانية والبيئية (الريف والغابة السوداء)، وتاريخه المضطرب مع النازية، مما أثر على موقفه الفكري من الحداثة والميتافيزيقا. إن فكره «العودة إلى الوراء» ليست مجرد انكفاء، بل محاولة لاستنهاض الوعي بالعلاقة الحية بين الإنسان والعالم.
—
7. أهمية فلسفة هيدجر وتأثيرها
أثر هيدجر بشكل «خانق» على الفلسفة الأوروبية المعاصرة، خاصة على «النظرية الفرنسية» (دريدا، ليفيناس، فوكو، دولوز)، حيث قدّم رؤى جديدة حول اللغة، الزمن، والوجود، فتجاوز حدود الفلسفة التقليدية.
—
8. حدود وانسدادات فلسفة هيدجر
على الرغم من عمق فلسفة هيدجر، إلا أنها تتسم بصعوبة كبيرة وتفتح على تأويلات متباينة. كما أن بعض قراءاته السياسية والأخلاقية أثارت جدلًا واسعًا بسبب موقفه في حقبة النازية. إضافة إلى ذلك، يشكك بعض الفلاسفة في إمكانية فك رموز الكينونة فعليًا.
—
الخاتمة
يظل هيدجر علامة فارقة في تاريخ الفلسفة الحديثة، بفكره الذي أعاد توجيه النظر إلى الكينونة بوصفها سؤالًا مفتوحًا وحيويًا، مع تركيزه على العلاقة بين الإنسان والزمن والوجود. دراسة ميخالف ترجمة د. محمد سبيلا تقدم قراءة نقدية متزنة تبرز عمق فكر هيدجر وأبعاده المتعددة، مع إدراك حدوده ومآزقه.
—
المصادر
1. جان جاك ميخالف، «هيدجر.. مفكر العودة إلى الوراء»، ترجمة د. محمد سبيلا، صحيفة الاتحاد، 6 أغسطس 2020.
2. Jean-Jacques Micalef, Heidegger penseur de la régression, La Revue des Ressources, يناير 2016.
3. Encyclopaedia Britannica، “Martin Heidegger”، مايو 2025.
4. Wikipedia (EN)، “Martin Heidegger”، يونيو 2025.