مدوّنات د. محمود حيدر

خلاصة البحث الذي قُدم في المؤتمر الدولي الذي انعقد مؤخراً بالجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت

لذكاء المصنوع كعلمٍ منظور إليه بعين الفلسفة من الفيزياء إلى الميتافيزياء

في ما يلي خلاصة البحث الذي قُدم في المؤتمر الدولي
الذي انعقد مؤخراً بالجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت
***** ****** ****** ******
الذكاء المصنوع كعلمٍ منظور إليه بعين الفلسفة
من الفيزياء إلى الميتافيزياء
د. محمود حيدر
مفكّر وباحث في الفلسفة والميتافيزيقا ـ
رئيس مركز دلتا للأبحاث المعمّقة- لبنان
تمهيد
سوف يبدو أمراً مفارقاً وغير مألوف أن يُقارب الذكاء الصناعي من أرض الفلسفة. وسيرتفع منسوب الإحساس بالمفارقة حين يتصل الأمر بالتساؤل حول المشروعية العلمية لمقاربةٍ تريد الجمع بين العلم الذكي والتأمل الميتافيزيقي كحقلين متناظرين يتبدِّيان للوهلة الأولى كما لو كانا على طرفي نقيض.
لقد عُدَّ التساؤلُ عن إمكان وجود صلة بين القوانين الحاكمة على الطبيعة وعوالم ما بعد الطبيعة، أحد أبرز العلامات الدالَّة على المعضلات التي سعى العقل الفلسفيُّ للوقوف عليها، واستخراج المبادئ المنطقيَّة المناسبة لها. وإذا كان هذا التساؤل لا يني يقضُّ سكينة المفاهيم منذ الحقبة الإغريقيَّة إلى أزمنة الحداثة، فقد جاء العلم الذكيُّ بحادثاته وانعطافاته الكبرى، ليقارب الإجابة من محلٍ غير معهود. فلقد بدا بما لا يقبل الرَّيب، كما لو أنَّ هذا العلم هو الذي سيفترض على الفلسفة القيام بمهمَّة الكشف عن تلك الصِّلة الغائمة بين الفيزياء والميتافيزياء. تلقاء هذا، نرانا بإزاء استفهام داهم عمَّا سيؤول إليه الحال، حين يسائلُ العلم الذكيُّ الفلسفةَ ماذا صنعت، فيما هو فخورٌ بما صار إليه اليوم من عظيم الذكاء وعلياء الفطنة؟
ربَّما تأَتَّى الجوابُ أدنى إلى خطبٍ جليلٍ لم يكن وقوعه محسوبًا في تفكيرنا المعاصر. منطقيٌّ أن تنشأ مساءلةٌ تبادليَّةٌ بين الفلسفة والعلم. لكن منسوب المساءلة قد يزيد متى عرفنا أنَّ للعلم حجَّةً على الفلسفة لكونه الواسطة البَدئيَّة في تأسيس معرفتها بالكون. لهذا المعتبر رأينا كيف قامت المقالة الفلسفيَّة الأولى على العناصر الأربعة (النار والماء والأرض والهواء)، ثم ليتشكَّل منها الجذرَ الكوزمولوجي لـ«ميتافيزيقا» الإغريق. نظير ذلك، سنلاحظ كيف احتجَّت الفلسفة على العلم ـ وإن على استحياء ـ من بعد أن تمكَّنت غزواته من إقصاء التأمُّل الميتافيزيقيِّ، واستنزال التفلسف من متعاليات التجريد إلى أرض الفينومينولوجيا الفسيحة؟
لكنَّ المسألة لا تتوقَّف لدى هذه الحدود. فسيظهر بصورة لا لَبس فيها، كيف انبرى منظِّرو الحداثة إلى الإمساك بناصية الفلسفة قصْدَ تطويعها، وتحويلها إلى علم كسائر العلوم الإنسانيَّة. فلمَّا أن أفلح هؤلاء بما انبروا إليه – وفي طليعتهم إيمانويل كانط – وجدنا كيف انحصرت مهمَّة الفلسفة الحديثة بمعاينة البنية الشكليَّة للعقل، والنظر- إلى هذه البنية – باعتبارها المرجع الوحيد الذي ينبغي الاستناد إليه لفهم الأساس الحقيقيِّ للمعرفة اليقينيَّة بالعالم.
من أجل ذلك، سوف يؤسس البحث مقاربته على أطروحة وجدت في الذكاء الصناعي إعراباً مستحدثاً عما وصل إليه العلم الذكي من حصائد تثير الأذهان كما تستثير خزائن العقول. وربما هذا هو الداعي الذي حمل بعض علماء وفلاسفة الغرب على النظر إلى تلك الحصائد بوصفها ظاهرة ميتافيزيقية. تبعاً لهذا التأسيس سعينا إلى تظهير الرابطة الوطيدة بين التقنية والميتافيزيقا، وإلى النظر في منجزات العلوم الذكية وإدهاشاتها بوصف كونها فعلاً ناجماً عن التأمل الأنطولوجي في شؤون الكون ومكنوناته. بذلك لا يكون الذكاء المصنوع مجرَّد بدعة تقانية معزولة عن المبدأ الماورائي للعقل البشري، وإنما هو طفرة ضمن سياق عميق من التفكير برؤية كونية تتحدد آفاقها وفق الحاجات المابعدية للإنسان كوجود عاقل في كون واعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى